مَن سبقتْ لهم العناية، من أهل الجد والتشمير، ويقولون: هؤلاء الذين خسروا أنفسهم، حيث لم يُتعبوها في مرضاة الله، وأهليهم، حيث لم يذكِّروهم الله.
قال القشيري: قوله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ بالوفاء بعهده، والقيام بحقِّه، والرجوع من مخالفته إلى موافقته، والاستسلام في كل وقت لحُكمِه والطريق اليوم إلى الاستجابة مفتوحٌ، وعن قريبٍ سيُغْلَقُ البابُ على القلب بغتة، ويُؤخذ فلتةً. هـ. ويقال لكل واعظ وداع: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ... الآية.
ثم بيّن وجه ما تقدم، من أن الأمور كلها بيده، هداية وإضلالا، وإنعاما وابتلاء، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: يملك التصرُّف فيهما، وفي كل ما فيهما، كيف يشاء، ومن جملته: أن يقسم النعمة والبلية، حسبما يريده. يَخْلُقُ ما يَشاءُ مما يعلمه الخلقُ ومما لا يعلمونه، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً من الأولاد وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ منهم، من غير أن يكون لأحد في ذلك مدخل، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ أي: يقرن بين الصنفين، ويهبهما جميعاً ذُكْراناً وَإِناثاً، بأن تلد غلاماً ثم جارية، أو تلدهما معاً. وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً لا نسل له. والعقيم: الذي لا يُولد له، رجل أو امرأة.
وقدّم الإناث أولاً على الذكور لأن سياقَ الكلام أنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذِكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهمّ، أو: لأن الكلام في البلاء، والعرب تعدهن عظيم البلايا، أو: تطييب قلوب آبائهم، ولمَّا أخَّر الذكور- وهم أحقاء بالتقديم- تدارك ذلك بتعريفهم لأن التعريف تنويه وتشريف، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين ما يستحقه من التقديم والتأخير، فقال: ذُكْراناً وَإِناثاً. وقيل المراد: أحوال الأنبياء- عليهم السلام- حيث وهب لشعيب ولوط إناثاً، ولإبراهيم ذكورا، وللنبى صلّى الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً، وجعل يحيى وعيسى عقيمين.
إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ مبالغ في العلم والقدرة، فيفعل ما فيه حكمة ومصلحة.
الإشارة: يهب لمَن يشاء إناثاً، علوماً وحسنات، ويهب لمَن يشاء الذكور، أذواقاً وواردات، ويجعل من يشاء عقيما، لا علم ولا ذوق، وانظر لطائف المنن «١» . أو تقول: يهب لمن يشاء إناثا مَن ورّث علم الرسوم الظاهر،
(١) للشيخ أحمد بن عطاء السكندرى. باب تبيان معنى آيات كتاب الله تعالى ص ١٦٦.