من التخلف عن الهجرة إلى رسولك صلّى الله عليه وسلم، فاستجاب الله دعاءهم بأن يسَّر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم أعظم ولي وناصر، بفتح مكة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فتولاهم ونصرهم، واستعمل عليهم عتَّاب بن أسيد، فحماهم وأعزهم حتى صاروا أعزاء أهلها، كما هي عادته سبحانه في إجابة دعاء المضطرين.
الإشارة: ما لكم يا معشر العِباد، وخصوصًا المريدين من أهل الجد والاجتهاد، لا تجاهدون نفوسكم في طريق الوصول إلى الله، كي تنالوا بذلك مشاهدة جماله وسناه، وتخلصوا ما كمن في نفوسكم من الأسرار، وما احتوت عليه من العلوم والأنوار. فإن قرية البشرية قد احتوت عليها وأسرتها بظلمات شهواتها، واستضعفتها بتراكم غفلتها وتكثيف حجاب حسها. فمن جاهدها استخلص جواهر تلك العلوم والأسرار مِن صَدَفِها. وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه:
وَهِيَ مِن النفوس في كُمُون ... كما يكون الحَبُّ في الغُصُون.
فالرجال: الأسرار والأنوار، والنساء: العلوم والأذكار، والولدان: الحكم بنات الأفكار. فكل هؤلاء مستضعفون تحت قهر البشرية الظالم أهلها. من الأنفس النزع والشياطين المغوية، فكل من جاهد هؤلاء القواطع أظهر تلك العلوم والأنوار السواطع، واستخلص رُوحه من أسر حجاب الأكوان، وأفضى إلى فضاء الشهود والعيان. وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم حثّ أولياءه من أهل الإيمان إن يقاتلوا أولياء الشيطان، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله في مدح المخلصين: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وابتغاء مرضات الله، وإعلاء لكلمة الله، وَالَّذِينَ كَفَرُوا، من أهل مكة وغيرهم، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ وهو