للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والظاهر إنما أبرزه بصورة المستقبل، تنبيهًا على عدم نسخه، وأنه ماض نافذ. قاله في الحاشية.

وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا، مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والأولاد، أي: نطول له من العذاب ونمد له فيه ما يستحقه، أو نزيد في مضاعفة عذابه، لكفره وافترائه على الله سبحانه، واستهزائه بآياته العظام، ولذلك أكده بالمصدر، دلالةً على فرط الغضب والسخط.

وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ، قال مكي: حرف الجر محذوف، أي: نرث منه ما يقول. هـ. والظاهر أن (ما) : بدل من الضمير، وهو الهاء، أي: نرث ما يقول وما يدعيه لنفسه اليوم من المال والولد. وفيه إيذان بأنه ليس لما يقول مصداق موجود سوى القول، أي: ننزع منه ما آتيناه، وَيَأْتِينا يوم القيامة فَرْداً لا يصحبه مال ولا ولد كان له في الدنيا، فضلاً أن يؤتى ثمَّةَ مالاً وولدًا زائدًا. وقال القشيري: فردًا بلا حجة على قوله وقَسَمِه: (لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) ، وذلك منه استهزاء ومحض كفر. والله تعالى أعلم.

الإشارة: يُفهم من الآية أن الإنسان إذا آمن بآيات الله وعمل بما أمره الله يكون له عهد عند الله، فإذا تمنى شيئًا أو منَّاه غيره لا يخيبه الله، ويتفاوت الناس في العهد عند الله، على قدر تفاوتهم في طاعته ومعرفته، وسيأتي في قوله: لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً «١» زيادة بيانه. والله تعالى أعلم.

ثم ردَّ على أهل الضلالة ما زعموا، من نفع الأصنام لهم، فقال:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨١ الى ٨٤]

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)

يقول الحق جلّ جلاله: واتخذ المشركون الأصنام آلِهَةً يعبدونها من دون الله لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا يوم القيامة، ووصلة عنده يشفعون لهم، كَلَّا لا يكون ذلك أبدًا، فهو ردع لهم عن ذلك الاعتقاد الباطل، وإنكارٌ لوقوع ما علَّقوا به أطماعَهم، سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ أي: تجحد الآلهة عبادتَهم لها، بأن يُنطقهم الله تعالى وتقول ما عبدتمونا، أو: سيكفر الكفرة عبادتهم لها حين شاهدوا سوء عاقبة عبادتهم لها، كقوله: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ «٢» وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أي: تكون الآلهة، التي كانوا يرجون أن تكون لهم عزا، ضدا للعز،


(١) الآية ٨٧ من هذه السورة.
(٢) من الآية ٢٣ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>