للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقبلون من وجدوه طيب الأخلاق، ويردون من وجدوه خبيث الأخلاق، فإن هذا ليس من شأن أهل التربية النبوية، بل من شأنهم أن يقبلوا الناس على السوية، ويقلبوا فيهم الأعيان، فيقلبون العاصي طائعًا، والكافر مؤمنًا، والغافل ذاكرًا، والشحيح سخيًّا، والخبيث طيبًا، والمسيء محسنًا، والجاهل عارفًا، وهكذا لما عندهم من الإكسير، وهي الخمرة الأزلية، أي: التي من شأنها أن تقلب الأعيان، كما قال ابن الفارض رضي الله عنه في وصفها:

تُهذبُ أخلاقَ النَّدامى فيَهْتَدي ... بها لطريقِ العزمِ مَن لا له عَزْم

ويكرُمُ مَنْ لم يَعْرِف الجودَ كَفُّه ... ويحلُمُ عند الغيْظِ مَنْ لا لهُ حِلم

وقوله: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ يعني: حتى تتحققوا بوصول الغني إلى قلوبهم، فإن تحققتم فخذوا ما بذلوا لكم من أموالهم. والله تعالى أعلم.

ولما كان الأولياء، إذا كانت تحتهم يتيمة لها مال، وخافوا أن يدخل معهم أجنبى، تزوجها أو زوجوها من أبنائهم، حرصا على أكل مالها، ولا يقسطون لها فى صداقها، وربما أساءوا عشرتها انتظارا لموتها، فنهاهم الله عن ذلك بقوله:

[[سورة النساء (٤) : آية ٣]]

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣)

قلت: «ما» من شأنها أن تقع على ما لا يعقل، وهنا وقعت على النساء لقلة عقلهن حتى التحَقْنَ بمن لا يعقل «١» و (مثْنَى وثُلاثَ ورُباع) أحوال من (ما) ممنوعة من الصرف للوصف والعدل، أي: اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعًا أربعا.

يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ خِفْتُمْ يا معشر الأولياء إلاَّ تعدلوا فِي الْيَتامى التي تحت حجركم إذا تزوجتم بهن طلبًا لمالهن، مع قلة جمالهن، فتهجروهن أو تسيئوا عشرتهن، فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ من غيرهن، أو: وإن خفتم ألا تقسطوا في صداقهن إذا أعجبنكم لِمَالِهنّ- الذي بيدكم- وجمالهن، فانكحوا غيرهن، ولا تنكحوهن إلا إذا أعطيتموهن صداق أمثالهن.


(١) قوله: (من شأنها أن تقع على ما لا يعقل) ، فيه نظر، فإن (ما) تقع على العاقل وغير العاقل، قال تعالى عن الصالحين: «إِلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» (سورة ص آية ٢٤) وغير ذلك من آيات كثيرة، بل إن قول الله تعالى: «فانكحوا ما طاب لكم من النساء، نص فى أن «ما» تقع على العاقل.
أما قوله: [حتى التحَقْنَ بمن لا يعقل] فينقضه الكثير من الآيات والأحاديث، قال تعالى: «لا أضيع عمل عامل منكم من ذَكَرٍ أو أنثى بعضكم من بعض» (آل عمران ١٩٥) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال» وللمفسرين فى الآية توجيهات أخر، أولى من توجيه شيخنا ابن عجيبة، منها: أن «ما» فى الآية موصولة أو موصوفة. راجع (تفسير: القرطبي- ابن عطيه- الآلولسى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>