يقول الحق جلّ جلاله:(أفمن اتبع رضوان الله) بأن اعتقد في نبيه الكمال، وأطاعه في وصف الجلال والجمال، وهم المؤمنون، حيث نزهوا نبيهم من النقائص، ومَن هَجَسَ في قلبه شيء بادر إلى التوبة، ثم اتصف بكمال الخصائص، هل يكون كَمَنْ باءَ بغضب مِنَ اللَّهِ؟ وهم المنافقون، حيث نافقوا الرسول واتهموه- عليه الصلاة والسلام- بالغلول.
أو يقول: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ بالطاعة والانقياد كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ بالمعاصي وسوء الاعتقاد وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي المنقلب، والفرق بين المصير والمرجع: أن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى، ولا كذلك المرجع. قاله البيضاوي.
هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ أي: أهل الرضوان درجات متفاوتة عند الله، على قدر سعيهم في موجب الرضا، وأهل السخط درجات أيضاً، على قدر تفاوتهم في العصيان، وهو على حذف مضاف، أي: ذُوو درجات، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيجازي كلا على قدر سعيه.
الإشارة:(أفمن اتبع رضوان الله) بتعظيم الأولياء والعلماء وأهل النسبة، كمن باء بسخط من الله بإهانة من أمر الله أن يُعظم ويُرفع، ومأواه حجاب الحس وعذاب البعد، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، فأهل القرب درجات على قدر تقربهم إلى ربهم، وأهل البعد درجات في البعد على قدر بعدهم من ربهم، بشؤم ذنبهم وسوء أدبهم، والله بصير بأعمالهم وما احتوت عليه قلوبهم.
ثم ذكر موجب التعظيم للرسول- عليه الصلاة والسلام- وهو كونه نعمة مهداة، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حيث بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي:
من جنسهم، أو من نسبهم، عربيّاً مثلهم ليفهموا كلامه بسهولة، ويفتخروا به على غيرهم. وتخصيص المؤمنين بالمنة، وإن كانت نعمته عامة لزيادة انتفاعهم على غيرهم لشرفهم وذكرهم به، حال كونه يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ القرآن، بعد أن كانوا جاهلية لا يعرفون الوحي ولا سمعوا به، وَيُزَكِّيهِمْ أي: يطهرهم من دنس الذنوب ودرن العيوب، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ أي: القرآن، وَالْحِكْمَةَ أي: السنة، وَإِنْ كانُوا أي: وإنه، أي: الأمر والشأن كانوا مِنْ قَبْلُ بعثته لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: ظاهر بيِّن.