وقضية أبى الخير العسقلاني: اشتهى السمك فلما مد يده ليأكل أخذت شوكة من عظامها إصبعَه، فذهبت في ذلك يده. وقضية إبراهيم بن شيبان: قال: (اشتهيت شبعة من الخبز والعدس، فاتفق ذلك، فأكلت حتى شبعت، ثم رأيت منكرا، فغيرته، فأخذونى وضربونى مائة خشبة، وطرحونى فى السجن أربعة أشهر، حتى شفع فىّ شيخى، فخرجت، وقال: أخذتها مجانا) ، أي: حيث عوقبت فى ظاهرك دون باطنك.
وقضية خير النسّاج: قال: (عاهدت الله وعقدت ألا آكل الرطب فغلبتني نفسى، فأخذت نصف رطل، فلما أكلت واحدة إذا برجل نظر إلىّ وقال: يا خير، أين هربت منى؟ وكان له عبد اسمه خير، فوقع علىّ شبهه- قال:
فبقيت معه عدة أشهر أنسج له الكرباس- وهو القطن الأبيض-، ثم تبت فزال عنى الشّبه) .
فمن عفى له عن شىء من هذه الجناية، بعد الأدب أو قبله، فليشكر الله، ويتبع ما أمره به، ويؤدى ما فرضه عليه بالمعروف، من غير إسراف، ولا تقصير، ذلك تخفيف من الله عنه، ورحمة به، فمن اعتدى بعد ذلك، ورجع إلى ما تاب عنه فله عذاب أليم، وهو الطرد عن حضرة الأحباب، إلى الوقوف بالباب أو سياسة الدواب، إلا من تاب وعمل صالحا فإن الله يتوب على من تاب. ولكم فى القصاص فى دار الدنيا- حياة عظيمة لأرواحكم وأسراركم لأن ذلك اعتناء بكم يا أولى الألباب، لعلكم تتقون كل ما يشغلكم عن مولاكم.
ولمّا ذكر القصاص وهو مظنّة الموت، والموت من أسباب الوصية ذكرها بإثره، فقال:
قلت: إِذا حَضَرَ ظرف، العامل فيه: كُتِبَ، أي: توجَّهَ إيجابُ الوصية عليكم إذا حضر الموت. أو مصدر محذوف يفهم من الوصية، أي: كتب عليكم الإيصاء إذا حضر الموت، والْوَصِيَّةُ
نائب فاعل كُتِبَ، ولا يصح أن تعمل في (إذا) لتقدمه عليها لأن المصدر لا يعمل في ما قبله، إلا على مذهب الأخفش. اللهم إلا أن يتوسع في الظروف، وجواب الشرطين محذوف، أي: إذا حضر أحدكم الموت، إن ترك خيراً، فقد كُتبت عليه الوصية.
والجنَف: الميل عن الصواب، فإن كان خطأ فهو جَنَفٌ بلا إثم، وإن كان عمداً فهو جنَف إثم.