للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلام-: «لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ ولا حرٌ بعبدٍ» ، والعبد يقتل بالعبد، إن أراد سيد المقتول قتله، فإن استحياه خُيِّر سيدُه بين إسلامه وفدائه بقيمة العبد. وكذلك إن قُتل الحر خُيّر أولياؤُه بين قتله أو استرقاقه، فإن استحيَوْه خُيِّر سيدُه بين إسلامه وفدائه بِدِيَةِ الحر العَمْد، والأنثى تُقتل بالأنثى والذكر، والذكر يقتل بالأنثى.

وتخصيصُ الآية بالمُساوي، قال مالك: (أحسنُ ما سمعتُ في هذه الآية: أنه يُراد بها الجنسُ- أي: جنس الحر- والذكر والأنثى فيه سواء. وأعيدَ ذِكْرُ الأنثى تأكيداً وتهمُّمَا بإذهاب أمر الجاهلية) . هـ. يعني أن (أل) في الحر:

للجنس، تشمل الذكر والأنثى. وأعاد ذكر الأنثى اهتماماً بردِّ ما كان يفعله الجاهلية من عدم القَودَ فيها.

ثم قال الحق جلّ جلاله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ دم أخيه شَيْءٌ ولو قَلَّ، فقد سقط القتل، فالواجب اتباعٌ للقاتل بالدية بِالْمَعْرُوفِ من غير تعنيف ولا تعنيت، وأَداءٌ من القاتل بِإِحْسانٍ من غير مطل ولا بَخس.

ذلِكَ- الذي شرعْتُ لكم من أمر العفو والديّة- تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ بكم، وقد كُتب على اليهود القصاص وحده، وعلى النصارى العفو مطلقاً. وخيَّركم أيها الأمة المحمدية بين أخذ الديّة والقصاص. فَمَنِ اعْتَدى بعد أخذ الديّة وقَتَل فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ في الدنيا والآخرة، في الدنيا: بأن يُقتل لا محالة لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «لا أُعَافِي أحَداً قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَة» .

وَلَكُمْ يا معشر المسلمين فِي تشريع الْقِصاصِ حَياةٌ عظيمة في الدنيا، لانزجار القاتل إذا علَم أنه يُقتص منه، وقد كانوا يَقتُلون الجماعةَ في الواحد، فسلِموا من القتل بشروع القصاص، أو في الآخرة، فإن القاتل إذا اقتُصَّ منه في الدنيا لم يؤخذْ به في الآخرة، فاعتُبِروا يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: العقول الكاملة، ما في حكمة القصاص من استبقاء الأرواح وحفظ النفوس، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الله في المحافظة على القصاص، والحكم به والإذعان له، أو تَكُفُّون عن القتل خوفاً من الله.

الإشارة: كما جعل الله القصاص في الجناية الحسيّة، جعل القصاصَ في الجناية المعنوية، وهي الجنايةُ على النفس بسوء الأدب مع الله، فكل من صدر منه هفوةٌ أو زَلَّة، اقْتصَ الحقّ تعالى منه في دار الدنيا، إن كانت له من الله عناية، الكبيرة بالكبيرة والصغيرة بالصغيرة. وتأمَّلْ قضية الرجل الذي كان يطوف بالكعبة، فنظر إلى امرأة، فلطَمْته كَفٍّ من الهوى، وذهبت عينه، فقال: آه، فقيل له: لطمة بنظرة، وإن زدت زدنا. هـ. وقضية أبي تراب النخشبي: قال رضي الله عنه: ما تمنت نفسي شهوةً من الشهوات إلا مرة واحدة، تمنيت خبزاً وبيضاً وأنا في سفر، فعدلت إلى قرية، فقام واحد، وتعلّق بي، وقال: هذا رأيته مع اللصوص، فضربوني سبعين درة، ثم عرفني رجلٌ منهم، وحملني إلى منزله، وقدَّم لي خبزاً وبيضاً. فقلت في نفسي: كُلْ بعد سبعين درة.

<<  <  ج: ص:  >  >>