حتى همّ بترك الحانوت فبعث إليه الجنيد بمال كان صرف إليه، وقال له: اجعل هذا في بضاعتك، ولا تترك الحانوت فإنَّ التجارة لا تضرُّ مثلك. ويقال: إن هذا لم يكن يأخذ من الفقراء ثمن ما يبتاعون منه. هـ.
وكان عبد الله بن المبارك يصرف مصروفه لأهل العلم، ويقول: إني لا أعرف بعد النبوة أفضل من العلماء، فإذا اشتغل قلب أحدهم بالحاجة والعيلة لم يتفرغ للعلم، ولا يقبل على تعليم الناس، فرأيت أن أكفيهم أمر الدنيا لأفرغهم للعلم، فهو أفضل. هـ. والله تعالى أعلم.
قلت: الموصول مبتدأ، و (فلهم أجرهم) : خبر، والفاء للسببية، ولأن في الموصول معنى الشرط، وقيل: الخبر محذوف، أي: ومنهم الذين ينفقون الخ، و (فلهم) : استئناف بياني.
يقول الحق جلّ جلاله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً، ويعمرون أوقاتهم بفعل الخيرات، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إذا قدموا عليه، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من لحوق مكروه، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوات محبوب، بل وجدوا الله فأغناهم عن كل شيء.
قيل: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه تصدَّق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، وعشرة بالنهار، وعشرة بالسر، وعشرة بالعلانية، أو في علي- كرم الله وجهه- لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، ودرهم نهاراً، ودرهم سرّاً، ودرهم علانية. وهي عامة لمن فعل فعلهما.
الإشارة: أجر بذل الأموال هو إعطاء الثواب من وراء الباب، والأمن من العذاب وسوء المآب، وأجر بذل النفوس هو دخول حضرة القدوس، والأنس بالأحباب داخل الحجاب، فمن بذل نفسه لله على الدوام، أمنه من الحجبة في دار السلام، فلا خوف يلحقهم في الدارين، ولا يعتريهم حزن في الكونين. وبالله التوفيق.
ولما رغَّب في الصدقة، وكانت في الغالب لا يتوصل إليها إلا بتعاطي أسباب المال، وهو البيع والشراء حذر من الريا لئلا يتساهل الناس في المعاملة به، حرصاً على الصدقة، فقال: