الإشارة: ويوم نُسير جبال الحس، أو الوهم، عن بساط المعاني، وترى أرض العظمة بارزة ظاهرة لا تَخْفَى على أحدٍ، إلا على أَكْمَهِ لا يُبْصِرُ القمر في حال كماله، وحشرناهم إلى الحضرة القدسية، فلم نغادر منهم، أي:
ممن ذهب عنه الحس والوهم، أحدًا، وعُرضوا على ربك لشهود أنوار جماله وجلاله، صفًا، للقيام بين يديه، فيقول لهم: لقد جئتمونا من باب التجريد، كما خلقناكم أول مرة، مُطَهَّرِينَ من الدنس الحسي، غائبين عن العلائق والعوائق، وكنتم تزعمون أن هذا اللقاء لا يكون في الدنيا، وإنما موعده الجنة، ومن مات عن شهود حسه، وعن حظوظه، حصل له الشهود واللقاء قبل الموت الحسي، ووضع الكتاب في حق أهل الحجاب، فترى المجرمين من أهل الذنوب مشفقين مما فيه، ووجود العبد: ذَنْبٌ لا يقاس به ذنب، فَنَصْبُ الموازين، ومناقشةُ الحسابِ إنما هو لأهل الحجاب، وأما العارفون الفانون عن أنفسهم، الباقون بربهم، لم يبق لهم ما يُحاسبون عليه إذ لا يشهدون لهم فعلاً، ولا يرون لأحد قوة ولا حولا. والله تعالى أعلم.
ولمّا كان سبب العذاب ووجود الحجاب هو التكبر على رب الأرباب، ذكر وبالَهُ بإثر الحشر والحساب، أو تقول:
لمَّا ذكر قصة الرجلين ذكر قُبح صنيع من افتخر بنفسه، وأنه شبيه بإبليس، وكل من افتخر واستنكف عن الانتظام في سلك فقراء المؤمنين كان داخلا فى حزبه. وقال الواحدي: ثم أمر الله تعالى نبيه أن يذكر لهؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس وما ورّثه الكبر، فقال:
قلت:(إِلَّا إِبْلِيسَ) : استثناء منقطع، إذا قلنا: إن إبليس لم يكن من الملائكة، وإذا قلنا: إنه منهم يكون متصلاً، ويكون معنى «كانَ» : صار، أي: إلا إبليس صار من الجن لمَّا امتنع من السجود، أو بأن الملائكة كان منهم قوم يقال لهم الجن، وهم الذين خُلقوا من النار. وجملة (كانَ مِنَ الْجِنِّ) : استئنافية سيقت مساق التعليل، كأنه قيل: ما له لم يسجد؟ فقيل: كان أَصْلُهُ جنِّيًا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ أي: وقت قوْلنا لهم: اسْجُدُوا لِآدَمَ سجود تحية وتكريم، فَسَجَدُوا جميعًا امتثالاً للأمر، إِلَّا إِبْلِيسَ أبى واستكبر لأنه كانَ مِنَ الْجِنِ