وقال الكلبي: إن ناساً من علماء اليهود كانوا ذا حظ من علم التوراة، فأصابتهم سنة، فأتوا كعب بن الأشرف يستميرونه، أي: يطلبون منه الميرة- وهو الطعام-، فقال لهم كعب: هل تعلمون أن هذا الرجل رسول في كتابكم؟
قالوا: نعم، أو ما تعلمه أنت؟ قال: لا، قالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله، قال كعب: لقد قدمتم عليَّ، وأنا أريد أن أميركم وأكسوكم، فَحَرَمَكُم الله خيراً كثيراً، قالوا: فإنه شُبه لنا، فرُوَيْداً حتى نلقاه، فانطلقوا، فكتبوا صفة غير صفته، ثم أتوا نبى الله- عليه الصلاة والسلام- فكلموه، ثم رجعوا إلى كعب، فقالوا: قد كنا نرى أنه رسول الله، فأتيناه فإذا هو ليس بالنعت الذي نُعت لنا، وأخرجوا الذي كتبوه، ففرح كعب، ومارهم. فنزلت الآية. قلت: انظر الطمع، وما يصنع بصاحبه! والعياذ بالله.
وقيل: نزلت في رجل أقام سلعته في السوق، وحلف لقد أعطى فيها كذا وكذا، وقيل: نزلت في الأشعث بن قيس، كانت بينه وبين رجل خصومة، فتوجهت اليمين على الرجل، فأراد أن يحلف. والله تعالى أعلم.
الإشارة: قد أخذ الله العهد على الأرواح ألا يعبدوا معه غيره، ولا يميلوا إلى شيء سواه، فكل من مال إلى شيء أو ركن بالمحبة إلى غير الله، فقد نقض العهد مع الله، فلا نصيب له في مقام المعرفة، ولا تحصل له مشاهدة ولا مكالمة حتى يثوب ويتوجه بكليته إلى مولاه. والله- تعالى- أعلم.
ومن مساوئهم أيضا: تحريفهم لكتاب الله، كما أشار إلى ذلك الحق- تعالى- بقوله:
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنَّ من أهل الكتاب لَفَرِيقاً، وهو كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، ومالك بن الصيف، وأبو ياسر، وشعبة بن عامر، يَلْوُونَ أي: يفتلون أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ أي: التوراة عند قراءته، فيميلون عن المنزل إلى المُحرف، لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ أي: لتظنوا أن ذلك المحرف من التوراة، وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فيما نسبوا إليه، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنه ليس من عند الله.
قال ابن عباس: نزلت في اليهود والنصارى جميعاً، حرفوا التوراة والإنجيل، وألحقوا به ما ليس منه، وأسقطوا منه الدين الحنيف، فبيَّن الله كذبهم. وقيل: في الرجم، حيث كتموا الرجم، وألقى قارئ التوراة يده على آية الرجم، وقرأ ما حولها، فقال له ابنُ سلام: ارفع يديك، فإذا آية الرجم تلوح. والله أعلم.