أو عطف المجردات على الجسمانيات، وبه احتج من قال: إن الملائكة أرواح مجردة. قاله البيضاوي. قلت: وهو خلاف الجمهور. بل الملائكة: أجسام لطيفة نورانية متحيزة، لها مادة نورانية وتشكيل مخصوص، غير أن الله تعالى أعطاها قوة التشكيل لأنها قريبة من أسرار المعاني الأزلية. وعبَّر الحق تعالى ب «ما» ليشمل العقلاء وغيرهم.
ثم قال تعالى في وصف الملائكة: وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادته، يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ هو تقرير، وبيان لنفي الاستكبار عنهم، أي: يخافون عظمة ربهم من فوقهم إذ هم محاطون بأفلاك أسرار الجبروت، مقهورون تحت القدرة والمشيئة، أو: يخافون عذاب ربهم أن يُرْسَل عليهم من فوقهم، أو: يخافون ربهم وهو من فوقهم بالقهر والغلبة. والجملة: حال من الضمير في (يَسْتَكْبِرُونَ) ، أو بيان له وتقرير لأن من خاف ربه لم يستكبر عن عبادته، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ من الطاعة وتدبير الأمور التي أمرهم بتدبيرها. وفيه دليل على أنَّ الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء. قاله البيضاوي.
الإشارة: كل ما دخل تحت عالم التكوين لزمته العبودية، وأحاطت به القهرية، فلا بدّ من الخضوع لأحكام الواحد القهار، تكليفية كانت أو تعريفية، فمن لم ينقد لها بملاطفة الإحسان، قيد بسلاسل الامتحان. وبهذا امتاز الخصوص من العموم، فالخصوص علموا أن سلسلة الأقدار في عنقهم، تجرهم إلى مراد ربهم، فاستسلموا لها، وانقادوا، وخضعوا، وتأدبوا لها، فاستحقوا التقريب والاصطفائية. والعموم جهلوا هذه السلسلة، أو علموها، ولم يقدروا على الاستسلام لها فاستحقوا البُعد من حضرة الحق إذ لا يدخلها إلا أهل التهذيب والتأديب. وبالله التوفيق.