قلت: قال في الصحاح: الحَمأُ الْمسنُون: المنتنُ المتغير. وسُنَّةُ الوجه: صورته، ثم قال: والمسْنُونُ: المصَوَّرُ، وقد سَنَنتُهُ أَسُنُّه سَنَّا إذا صَوَّرتُه، والمسْنُونُ: المُملَّسُ. وفي القاموس: الحَمأُ المسْنُونُ: المنْتنُ، ورجُل مَسْنُونُ الوجه:
مُمَلسُهُ، حَسنُهُ، سَهْلُهُ. أو في وَجْهِهِ وأنْفِهِ طُولٌ. وسنن الطين: عمله فخاراً. هـ. وفي ابن عطية: هو من سننت السكين والحجر: إذا أحكمت تلميسه. انظر بقية كلامه. وموضع مِنْ حَمَإٍ: نعت لصلصال، أي: كائن من حمأ. و (الجان) : منصوب بمحذوف يُفسره ما بعده.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ أي: أصله، وهو آدم، مِنْ صَلْصالٍ أي: طين يابس يصلصل. أي: يصوت إذا نقر فيه وهو غير مطبوخ، فإذا طُبخ فهو فخار، مِنْ حَمَإٍ: من طين أسود مَسْنُونٍ: متغير منتن، من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإنَّ ما يسيل بينهما يكون منتناً، ويسمى سنيناً. أو مسنون: مصور، أو مصبوب ليتصور، كالجواهر المذابة تصب في القوالب، من السن، وهو الصب، كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غير ذلك طوراً بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه.
وَالْجَانَّ وهو: إبليس الأول، ومنه تناسلت الجن، خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ أي: من قبل خلق الأنسان، مِنْ نارِ السَّمُومِ: من نار الحر الشديد النافذ في المسام، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة، كما لم يمتنع خلقها في الجواهر المجردة، فضلاً عن الأجساد المؤلفة، التي الغالب فيها الجزء الناري، فإنها أقبل منها لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي. وقوله: مِنْ نارِ: لاعتبار الغالب، كقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ «١» .
ومساق الآية كما هو للدلالة على قدرة الله تعالى، وبيان بدء خلق الثقلين، فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر، وهو قبول المواد للجمع والإحياء. قاله البيضاوي.