وقوله تعالى: مِنَ الشَّجَرَةِ أي: نودي منها حقيقة إذ ليس في الوجود إلا تجليات الحق ومظاهره، فيكلم عباده من حيث شاء منها. قال في العوارف: الصوفي لتجرده، يشهد التالي كشجرة موسى، حيث أسمعه الله خطابه منها، بأني أنا اللهُ لا إِله إلاّ أنا. هـ. فأهل التوحيد الخاص لا يسمعون إلا من الله، بلا واسطة، قد سقطت الوسائط في حقهم، حين غرقوا في بحر شهود الذات، فافهم. وقال في القوت: كانت الشجرة وجهة موسى عليه السلام، كلمة الله عز وجل منها، كما قال بعضهم: إن قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ «١» ، أي: بالجبل، كان الجبل من جهة الحس حجاباً لموسى، كشفه الله عنه، فتجلى به، كما قال: مِنَ الشَّجَرَةِ فكانت الشجرة وجهة له عليه السلام هـ، بإيضاح. والله تعالى أعلم.
ومعنى تصديقه: إعانته بزيادة البيان، في مظان الجدال، إن احتاج إليه ليثبت دعواه، لا أن يقول له: صدقت، ففضل اللسان إنما يحتاج إليه لتقرير البرهان، وأما قوله: صدقت فسَحْبَانُ وبَاقِلٌ فيه مستويان. إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ في دعوى الرسالة.
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أي: سنقويك به إذ اليد تشد بشدة العضد لأنه قوام اليد، فشد العضد كناية عن التقوية لأن العضد، إذا اشتد، قَوِيَ على محاولة الأمور، أي: سنعينك بأخيك، وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً غلبة وتسلطاً وهيبة في قلوب الأعداء، فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما، بِآياتِنا بسبب آياتنا، القاهرة لهم عن التسلط
(١) من الآية ١٠٧ من سورة الأعراف، ومن الآية ٣٢ من سورة الشعراء.