وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا أي: كذلك فرقناه ورتلناه ترتيلاً بديعاً عجيباً، أي: قدرناه آية بعد آية، ووقفة عقب وقفة، وأمرنا بترتيل قراءته، بقولنا: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «١» أو: فصلناه تفصيلاً، أو: بيّناه تبييناً فيه ترتيل وتثبت.
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة، واقتراحاتهم الفاسدة الخارجة عن دائرة العقول، الجارية لذلك مجرى الأمثال، إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه، الذي ينحى عليه بالإبطال ويحسم مادة القيل والقال، كما مر من الأجوبة الحقية، القالعة لعروق أسئلتهم الشنيعة، الدامغة لها بالكلية. وجئناك بأحسن تَفْسِيراً أي: بيانأ وتفصيلاً، بمعنى أنه في غاية ما يكون من الحسن في حد ذاته، لا أن ما يأتون به حَسَنٌ، وهذا أحسن منه، وإنما المعنى: لا يسألونك عن شيء غريب إلا جئناك بما يبطله وما يكشف معناه، ويفسره غاية التفسير.
ثم ذكر مآل الكفرة المقترحين لهذه الشُّبَهِ، فقال: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أي:
يُحشرون كائنين على وجوههم، يسحبون عليها، ويجرون إلى جهنم. وقيل: مقلوبين وجوههم إلى قفاهم، وأرجلهم فوق، أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً أي: مكانة ومنزلة، أو: مسكناً ومنزلاً، وَأَضَلُّ سَبِيلًا وأخطأ طريقاً.
ونزلت الآية لَمَّا قالوا: إن أصحاب محمد شر خلق الله وأضل الناس طريقاً. وقيل: المعنى: إن حاملكم على هذه السؤالات اعتقادُكُمَ أن محمداً ضال، ومكانه حقير، ولو نظرتم إلى ما يؤول إليه أمركم، لعلمتم أنكم شر منه مكاناً، وأضل سبيلاً. والله تعالى أعلم.
الإشارة: تثبيت القلوب على الإيمان، وتربية اليقين، يكون بصحبة الأبرار ورؤية العارفين الكبار، والترقي في معاريج التوحيد، إلى أن يفضي إلى مقام العيان، يكون بعقد الصحبة مع أهل التربية، وخدمتهم وتعظيمهم، حتى يوصلوه إلى ربه. ومن شأنهم إن الله يدافع عنهم، ويجيب من سألهم تشغيباً، فيلهمهم الجواب، فضلاً منه، فلا يُسألون عن شيء إلا جاءهم بالحق وأحسن تفسيراً، ثم هدد من صغَّرهم وحقَّر شأنهم بقوله: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ ... الآية. والله تعالى أعلم.
ثم ردّ على مَن طلب إنزال القرآن جملة، بكون كتاب التوراة نزل جملة، ومع ذلك كفروا به، فقال: