للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر ضد من تقدم من الكفرة، فقال:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠)

. يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بآيات ربهم ولقائه، وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ، كانَتْ لَهُمْ فيما سبق من حكم الله تعالى ووعده، جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ، وهي أعلى الجنان. وعن كعب: أنه ليس في الجنة أعلى من جنة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف والناهُون عن المنكر، أي: أهل الوعظ والتذكير من العارفين. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الجنة مِائَةُ دَرَجَةٍ، ما بَيْنَ كُل دَرَجتين كَمَا بَيْنَ السَّماءِ والأرضِ، أَعلاها الفِرْدَوس، ومِنْها تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجنَّةِ، فَوْقَها عَرْشُ الرحمن، فإذَا سَأَلْتُمُ اللهُ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ» «١» .

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: «جنان الفردوس أربع: جنتان من فِضَّةٍ، أبنيتهما وآنيتُهُما، وجنَّتان من ذهب، أبنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظُرُوا إلى ربهمْ إلا رِدَاءُ الكبْرياءِ على وَجْهِه» «٢» ، وقال قتادة: الفردوس: ربوة الجنة. وقال أبو أمامة: هي سرة الجنة. وقال مجاهد: الفردوس: البستان بالرومية. وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة الأشجار.

كانت لهم نُزُلًا أي: مقدمة لهم عند ورودهم عليه، على حذف مضاف، أي: كانت لهم ثمار جنة الفردوس نُزلاً، أو جعلنا نفس الجنة نُزلاً مبالغةً في الإكرام، وفيه إيذان بأن ما أعدَّ الله لهم على ما نطق به الوحي على لسان النبوة بقوله: «أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» .

هو بمنزلة النُزُل بالنسبة إلى الضيافة وما بعدها، وإن جُعِلَ النُزل بمعنى المنزل فظاهر. خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أي: لا يطلبون تحولاً عنها إذ لا يتصور أن يكون شيء أعز عندهم، وأرفع منها، حتى تنزع إليه أنفسهم، أو تطمح نحوه أبصارهم. ونعيمهم مجدد بتجدد أنفاسهم، لا نفادَ له ولا نهاية لأنه مكون بكلمة «كن» ، وهي لا تتناهى.


(١) أخرجه، بنحوه، البخاري فى (كتاب التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. [.....]
(٢) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة الرحمن، باب ومن دونهما جنتان) ، ومسلم فى (الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين فى الآخرة ربهم سبحانه وتعالى) ، من حديث عبد الله بن قيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>