للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم وبخ أهل الكتاب، فقال:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٩]]

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩)

قلت: نقم- بفتح القاف- ينقم- بالكسر-، بمعنى: عاب وأنكر، وانتقم إذا كافأه على إنكاره، ويقال: نقم- بالكسر- ينقم- بالفتح- وقرىء به في الشاذ، و (أن أكثركم) : عطف على (آمنا) أي: ما تعيبون منا إلا أنا مؤمنون وأنتم فاسقون.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا أي: ما تنكرون علينا وتعيبونه مِنَّآ إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ من الكتب كلها، وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ خارجون عن هذا الإيمان، وهذا أمر لا ينكر ولا يعاب، ونظير هذا في الاستثناء العجيب قول النابغة:

لاَ عَيبَ فِيهِم غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ من قراع الكتائب.

الإشارة: أهل الخصوصية يقرون أحوال أهل الشريعة كلها، ولا ينكرون على أهلها شيئًا من أمورهم، وأهل الشريعة ينكرون كثيرًا من أحوال أهل الخصوصية ويعيبُونها عليهم، وهي من أفضل القربات إلى الله عندهم، فيقولون لهم: هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أن آمنا بشريعتكم، وأنتم خارجون عن حقيقتنا ورؤية خصوصيتنا، لكن أهل الشريعة معذورون في إنكارهم، إذ ذاك مبلغهم من العلم، فإن كان إنكارهم غيره على ما فهموا من الدين فعذرهم صحيح، وإن كان حسدًا أو حمية فهم ممقوتون عند الله. والله تعالى أعلم.

ولما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم جماعة من اليهود، فقالوا يا محمد: أخبرنا بمن تؤمن من الرسل، فتلا عليهم:

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ إلى قوله: وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى «١» فلما سمعوا ذكر عيسى قالوا: ما رأينا شرًا من دينك، فأنزل الله تعالى في الرد عليهم:

[[سورة المائدة (٥) : آية ٦٠]]

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠)

قلت: مشاركة اسم التفضيل هنا باعتبار زعمهم واعتقادهم، وإلا فلا مشاركة بين المسلمين وبينهم في الشر والضلال، و (مثوبة) : تمييز عن شر، وضع موضع الجزاء، وأصل المثوبة: في الخير، والعقوبة: في الشر، فوضع هذا المثوبة موضع العقوبة تهكمًا بهم، كقوله:

تحَيَّةُ بَينِهِم، ضَرْبٌ وَجِيعُ.


(١) الآية ٨٤ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>