للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: أهل العلم إذا تحققوا بوجود الخصوصية عند ولي، وكتموا ذلك حسداً وخوفاً على زوال رئاستهم، دخلوا في وعيد الآية لأنَّ العوام تابعون لهم، فإذا كتموا أو أنكروا تبعُوهم على ذلك، فيحملون أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ، والله تعالى أعلم.

ولما سأل- عليه الصلاة والسلام- اليهود عن شىء فى التوراة، وكتموه وأخبروه بغيره، فخرجوا وقد أروه أنهم أخبروه عما سألهم، واستحمدوا إليه ففرحوا، أنزل الله فيهم:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٨ الى ١٨٩]

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)

قلت: من قرأ بالخطاب، فالذين: مفعول أول، والثاني: محذوف، أي: بمفازة من العذاب، أو هو المذكور، و (تحسبنهم) : تأكيد للفعل الأول، ومن قرأ بالغيب فالذين: فاعل، والمفعولان: محذوفان، دلَّ عليهما ذكرُهما مع الثاني، أي: لا يحسبوا أنفسهم فائزة. (فلا تحسبنهم) : من قرأ بفتح التاء فالخطاب للرسول- عليه الصلاة والسلام-، والفعل مبني، ومن قرأ بالياء فالخطاب للذين يفرحون، والفعل معرب، أي: لا يحسبوا أنفسهم بمفازة من العذاب.

يقول الحق جلّ جلاله: لا تَحْسَبَنَّ يا محمد الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا أي: بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالعهد، وإظهار الحق، والإخبار بالصدق، أنهم فائزون من العذاب، فلا تظنهم بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ، بل لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ موجع، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إن شاء عذب وإن شاء رحم، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا يعجزه من ذلك شيء، أو: لا يظن الذين يفرحون بما أتَوا، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فلا يحسبون أنفسهم بمفازة من العذاب.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أنها نزلت في المنافقين، كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم «١» تخلَّفوا، وإذا قدم اعتذروا، فإذا قَبِل عذرهم فرحوا، وأحبُّوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا) . وما تقدم في التوطئة هو عن ابن عباس. وقال


(١) أي: إلى الغزو. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>