للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقامات التي ينزل فيها المريد: التوبة، والخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والتوكل، والصبر، والرضى، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة بالفناء ثم البقاء، أو الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان. فلا ينتقل من مقام إلى ما بعده حتى يحقق المقام الذي هو فيه، ذوقاً وحالاً. وقيل: يجوز أن ينتقل إلى ما بعده إذا كان ذا قريحة فتحقق له ما قبله. والله تعالى أعلم. وطريق الشاذلية مختصرة، تطوي عن المريد هذه المقامات، فينزل في أول قدم في مقام الإحسان، شعر أم لا، ثم يحصل الفناء ثم البقاء، إن وجد شيخاً كاملاً تربى على يد شيخ كامل، وإلا فلا.

وقول الجنيد رضى الله عنه: (عمل خفي) ، اعلم أن الخفاء على ثلاثة أقسام: خفاء عوام الصالحين، وهو: إخفاء الأعمال عن الناس مخافة الرياء. وخفاء المريدين، وهو: الإخفاء عن ملاحظة الخلق ومراقبتهم، ولو كانوا بين أظهرهم، فإخفاؤهم قلبي لا قالبي. وخفاء العارفين الواصلين، وهو: الإخفاء عن رؤية النفس، فهم يغيبون عن أنفسهم ووجودهم، في حال أعمالهم، فليس لهم عن نفوسهم إخبار، ولا مع غير الله قرار. والله تعالى أعلم.

ثم ذكر ما أجابه به قومه فقال:

[[سورة هود (١١) : آية ٨٧]]

قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧)

قلت: «تأمرك أن نترك» : على حذف مضاف، أي: تأمرك بتكليف أن نترك لأن الرجل لا يُؤمر بفعل غيره. و (أن نفعل) : عطف على (ما) أي: أو نترك فعلنا في أموالنا ما نشاء.

يقول الحق جلّ جلاله: قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ التي تُكثر منها هي التي تَأْمُرُكَ أن تأمرنا أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا من الأصنام، وندخل معك في دينك المحدث، أجابوا به ما أمرهم به من التوحيد بقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، على وجه التهكم والاستهزاء بصلواته. وكان كثير الصلاة، ولذلك جمعوها وخصوها بالذكر. وقرأ الأخوان وحفص بالإفراد المراد به الجنس.

ثم أجابوه عن نهيهم عن التطفيف وأمرهم بالإيفاء، فقالوا: أَوْ نترك أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا من البخس وغيره؟ وقيل: كانوا يقطعون الدراهم والدنانير، فنهاهم عن ذلك.. إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ، تهكموا به وقصدوا وصفه بضده، من خفة العقل والسفه لأن العاقل عندهم هو الحريص على جمع الدنيا وتوفيرها، وهو الحمق عند العقلاء، أو إنك موسوم بالحلم والرشيد فلا ينبغي لك أن تنهانا عن تنمية أموالنا والتصرف فيها. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>