يقول الحق جلّ جلاله:{والسماءِ والطارقِ} ، عظّم تعالى قَدْر السماءِ في أعين الخلق؛ لكونها معدن رزقهم، ومسكن ملائكته، وفيها خلق الجنّة، فأقسم بها وبالطارق، والمراد: جنس النجوم، أو جنس الشهُب التي يُرجم بها، لعِظم منفعتها، ثم عظَّمه ونوّه به، فقال:{وما أدراك ما الطارقُ} بعد أن فخّمه بالإقسام به، تنبيهاً على رفعة قدره بحيث لا يناله إدراك الخلق، فلا بد من تلقَّيه من الخلاّق العليم، أي: أيّ شيء أعلمك بالطارق، ثم فسّره بقوله:{النجمُ الثاقبُ} ؛ المضيء، فكأنّه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل، كما يُقال للآتي ليلاً: طارق، أو: لأنه يطرق الجنِّيَّ، أي: يُصكّه. وقيل: المراد به كوكب معهود، قيل: هو الثريا، وقيل زُحل، وقيل الجدي.
ثم ذكر المقسَم عليه، فقال:{إِن كُلُّ نفسٍ لمَّا عليها حافظٌ} ، " إن " نافية، و " لَمَّا " بمعنى " إلاّ " في قراءة مَن شدّدها، وهي لغة هذيل، يقولون:" نشدتك الله لمّا قمت " أي: إلاّ قمت، أي: ما كل نفس إلاّ عليها حافظ مهيمن رقيب، وهو الله عزّ وجل، كما في قوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلَىا كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً}[الأحزاب: ٥٢] أو: مَن يحفظ عملها، ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) } [الانفطار: ١٠] أو: مَن يحفظها من الآفات، ويذب عنها، كما في قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ