يقول الحق جلّ جلاله:{القارعةُ ما القارعةُ} القرع هو الضرب باعتماد، بحيث يحصل منه صوت شديد، وهي القيامة التي مبدؤها النفخة الأولى، ومنتهاها فصل القضاء بين الخلائق، سُميت بها لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأفزاع والأهوال. وهي مبتدأ، خبرها: قوله: (ما القارعةُ) على أنَّ " ما " استفهامية خبر، والقارعة مبتدأ، لا بالعكس؛ لما مرّ من أنَّ محط الإفادة هو الخبر لا المبتدأ. ولا ريب في أنَّ مدار إفادة الهول والفخامة هاهنا هو " ما القارعة " أيّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة، وقد وقع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل. {وما أدراك ما القارعةُ} هو تأكيد لهولها وفضاعتها، ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، أي: أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ومن أين علمت ذلك؟ و " أدْرَى " يتعدى إلى مفعولين، علقت عن الثاني بالاستفهام.
ثم بيّن شأنها فقال:{يومَ يكونُ الناسُ كالفراش المبثوثِ} أي: هي يوم، على أنَّ " يوم " مبني لإضافته إلى الفعل، وإن كان مضارعاً على رأي الكوفيين، والمختار أنه منصوب باذكر، كأنه قيل بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها: اذكر يوم يكون الناس كالفراش المبثوث في الكثرة والانتشار والضعف والذلّة والاضطراب والتطاير إلى الداعي كتطاير الفراش إلى النار. والفراش: صِغار الجراد، ويسمى: غوغاء الجراد، وبهذا يوافق قوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}[القمر: ٧] وقال أبو عبيدة: الفراش: طير لا بعوض ولا ذباب، والمبثوث: المتفرق. وقال الزجاج: