وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ حين امتنعوا من قبول أحكام التوراة، بسبب ميثاقهم الذي أخذناه عليهم، وهو التزام أحكام التوراة، وقلنا لهم على لسان موسى: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أي: باب بيت المقدس، فدخلوا يزحفون على استاههم عنادًا واستهزاءً، وقلنا لهم: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ على لسان داود عليه السلام، فاعتدوا فيه بالاصطياد، فمسخناهم قردةً وخنازير، وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً على ذلك كله، فنقضوا جميع ذلك، أو ميثاقًا غليظًا في التوراة لئن أدركوك ليؤمنن بك، وليبينن صفتك للناس، فنقضوا وكتموا. والله تعالى أعلم.
الإشارة: اقتراح الآيات وطلب الكرامات من الأولياء، سنة ماضية، لأنهم على قدم الأنبياء- عليهم السلام- ما يقال لهم إلا ما قيل للأنبياء قبلهم، فلا تكاد تجد أحدًا يصدق بولي حتى تظهر عليه الكرامة، وهو جهل كبير لأن الكرامة قد تظهر على من لم تكمل له استقامة، وقد تكون استدراجًا ومكرًا. وأيُّ كرامة أعظم من العلوم اللدنية والأخلاق النبوية؟ كما قال شيخنا رضي الله عنه. وقد ظهرت الكرامات على المتقدمين ولم ينقطع الإنكار عليهم.
واعلم أن طلب الرؤية في الدنيا ليس بممتنع، وإنما عاقب الله بني إسرائيل على طلبها لأنهم طلبوها قبل إبانها، طلبوها من غير اتصاف بشروط حصولها، وهو كمال التهذيب والتطهير من دنس الحس، فمن كمل تهذيبه وتحقق تطهيره حصل له شهود الحق، حتى لو كُلف أن يشهد غيره لم يستطع، وذلك حين تستولي البصيرة على البصر، فيشهد البصر ما كانت تشهده البصيرة، وذلك بعد كمال فتحها. ولذلك قال في الحِكَم:«شعاعُ البصيرة يشهدك قرب الحق منك، وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده، وحق البصيرة يشهدك وجود الحق» ... الخ كلامه. وهذه المشاهدة لا تحصل إلا لمن اتصل بشيخ التربية، وإلا فلا مطمع فيها. والله تعالى أعلم.