للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حذّر منه فقال: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ باتباعه فيما أمره به دون ما أمر الله به، فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً واضحًا حيث ضيع رأس ماله، وأبدل بمكانة من الجنة مكانه من النار. يَعِدُهُمْ أي: الشيطان، أمورًا لا تُنجز لهم، وَيُمَنِّيهِمْ أماني لا تعطى لهم، وَما يَعِدُهُمُ أي: الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً، وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر، فكان يوسوس لهم أنهم على الحق وأنهم أولى بالجنة، إلى غير ذلك من أنواع الغرور، أُولئِكَ المغرورون مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي: هي منزلهم ومقامهم، وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً أي: مهربًا ولا معدلاً. من حاص يحيص: إذا عدل.

الإشارة: ما أحببتَ شيئاً إلا كنت له عبدًا، فاحذر أن تكون ممن يعبد من دون الله إناثًا، إن كنت تحب نفسك، وتؤثر هواها على حق مولاها، أو تكون عبد المرأة أو الخميصة «١» أو البهيمة، أو غير ذلك من الشهوات التي أنت تحبها، واحذر أيضًا أن تكون من نصيب الشيطان بإيحاشك إلى الكريم المنان، وفي الحِكَم:

«إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده» . فاشتغل بمحبة الحبيب، يكفيك عداوة العدو، فاتخذ الله وليًا وصاحبًا، ودع الشيطان جانبًا، غِب عن الشيطان باستغراقك في حضرة العِيان.

وبالله التوفيق.

ثم ذكر ضد أهل الشرك، فقال:

[[سورة النساء (٤) : آية ١٢٢]]

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢)

قلت: (وعدّ اللهِ) مصدر، مؤكد لنفسه، أي: وعدهم وعدًا، و (حقًا) مؤكد لغيره، أي: لمضمون الجملة قبله.

انظر البيضاوي.

يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله ووحدوه، وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ التي كلفوا بها سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وعدهم بذلك وعدًا حقًا، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا أي: لا أحدَ أصدقُ من الله في قوله. والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه، بوعد الله الصادق لأوليائه، ترغيبًا في تحصيل أسبابه. والله تعالى أعلم.


(١) الخميصة: ثوب خز، أو صوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>