غروبِها فافْعَلُوا، ثُم تَلا هذه الآية:«وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها»«١» ففيه ترجيح من فسرها بالصلاة، وفيه إشارة إلى أنَّ الصلاة ذكر وإقبال على الله وانقطاع إليه، وذلك مزرعة المشاهدة والرؤية في الآخرة. وقد جاء في أهل الجنة:«أنهم يرون ربهم بكرة وعشيًا» ، هذا في حق العموم، وأما خصوص الخصوص، ففي كل ساعة ولحظة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أفَلَم يَهد لأهل الإيمان والاعتبار، وأهل الشهود والاستبصار، كم أهلكنا قبلهم من القرون الخالية، والأمم الماضية، فهم يمشون في مساكنهم الدارسة، ويُشاهدون آثارهم الداثرة، كيف رحلوا عنها وتركوها، واستبدلوا ما كانوا فيه من سعة القصور بضيق القبور، وما كانوا عليه من الفُرش الممهدة بافتراش التراب وتغطية اللحود الممددة، فيعتبروا ويتأهبوا للحوق بهم، فقد كانوا مثلهم أو أشد منهم، قد نما ذكرهم، وعلا قدرهم، وخسف بعد الكمال بدرهم. فكأنهم ما كانوا، وعن قريب مضوا وبانوا، وأفضوا إلى ما قدموا، وانقادوا قهرا، إلى القضاء وسلموا، ففي ذلك عِبَر وآيات لأولي النُهى. لكن القلوب القاسية لا ينفع فيها وعظ ولا تذكير، فلولا كلمة الرحمة والحلم بتأخير العذاب، وأجل مسمى لأعمارهم لعجل لهم العقاب.
فاصبر، أيها المتوجه إلى الله، المنفرد بطاعة مولاه، على ما يقولون، مما يُكدر القلوب، واشتغل بذكر ربك وتنزيهه، مع الطلوع والغروب وآناء الليل والنهار، حتى تغيب في حضرة علاّم الغيوب، لعلك ترضى بمشاهدة المحبوب. وبالله التوفيق.
ولمَّا كان محصل الاعتبار هو صرف الهمة عن هذه الدار، أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم ومن كان على قدمه، فقال:
قلت:(زَهْرَةَ) : مفعول بمحذوف، يدل عليه (مَتَّعْنا) أي: أعطينا، أو على الذم، وفيه لغتان: سكون الهاء وفتحها.
(١) أخرجه بنحوه البخاري (كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر) ، ومسلم (كتاب المساجد، باب فضل صلاتى الصبح والعصر) من حديث جرير بن عبد الله. ووقع عند مسلم أن الذي قرأ الآية هو جرير، راوى الحديث.