للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما يستطيعون «١» فما يملكون صَرْفاً دفعاً للعذاب عنكم وَلا نَصْراً أي: فرداً من أفراد النصر. والمعنى: فما تستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصروكم. وعن حفص بالتاء، أي: فما تستطيعون أنتم أيها الكفرة صرفاً للعذاب عنكم، ولا نصر أنفسكم.

ثم خاطب المكلَّفين على العموم فقال: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يشرك بدليل قوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٢» لأن الظلم: وضع الشيء في غير محله، ومن جعل المخلوق شريكاً لخالقه فقد ظلم ظلماً عظيماً.

أي: ومن يظلم منكم أيها المكلفون، كدأب هؤلاء الكفرة، حيث ركبوا متن المكابرة والعناد، واستمروا على الملاججة والفساد، نُذِقْهُ في الآخرة عَذاباً كَبِيراً لا يقادر قدره، وهو الخلود في النار، والعياذ بالله.

الإشارة: كل من عشق شيئاً وأحبه من دون الله فهو عابد له، فرداً أو متعدداً، فيُحشر معه يوم القيامة، فيقال لهم: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا السبيل؟ فيتبرؤون منهم، ويقولون: بل متعتهم بالدنيا، وألهيتهم عن الذكر والتفكر والاعتبار، أو عن الشهود والاستبصار، حتى نسوا ذكر الله، وكانوا قوماً بوراً. وقد ورد: (أن الدنيا تُبعث يوم القيامة على هيئة عجوز شمطاء زرقاء، فتنادي: أين أولادي؟ فيجمعون لها كرهاً، فتقدمهم، فتوردهم النار) . وقوله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ أي: يخرج عن حد الاستقامة في العبودية، وشهود عظمة الربوبية، نُذقه عذاباً كبيراً، وهو ضرب الحجاب على سبيل الدوام، إلا وقتاً مخصوصاً مع العوام. وبالله التوفيق.

ثم أجاب الحق تعالى عن قول الكفرة: (مال هذا الرسول يأكل الطعام ... ) إلخ، فقال:

[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٠]]

وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)

قلت: كُسرت (إنَّ) لأجل اللام في الخبر. والجملة بعد (إلا) : صفة لمحذوف، أي: وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور، يعني من المرسلين، وهو كقوله تعالى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ «٣» ، أي: وما منا أحد. وقيل: هي حال، والتقدير: إلا وأنهم ليأكلون.

يقول الحق جلّ جلاله، في جواب المشركين عن قولهم: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ «٤» تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلّم: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا وَصِفَتُهُمْ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ بشر


(١) قرأ حفص (فما تستطيعون) بالتاء من فوق، على خطاب العابدين. وقرأ الباقون بالياء على الغيب، على إسناده إلى المعبودين.
انظر الإتحاف (٢/ ٣٠٧) .
(٢) من الآية ١٣ من سورة لقمان.
(٣) من الآية ١٦٤ من سورة الصافات.
(٤) من الآية ٧ من سورة الفرقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>