للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سلّى رسوله صلى الله عليه وسلم عما اقترحوا عليه من الآيات تشغيبا وعنادا، بما جرى لموسى عليه السّلام مع قومه، بعد ظهور الآيات، فلم تنفعهم شيئا، فقال:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)

قلت: قال في الأساس: ثبره الله: أهلكه هلاكًا دائمًا، لا ينتعش بعده، ومن ثَم يدعو أهلُ النار: وا ثبوراه. وما ثبرك عن حاجتك: ما ثبطك عنها. وهذا مثبَرُ فلانة: لمكان ولادتها، حيث يثبرها النفاس. وفي القاموس: الثبر:

الحبْسُ والمنع، كالتثبير والصرف عن الأمر وعن الحبيب، واللعن والطرد. والثبور: الهلاك والويل والإهلاك. هـ.

و (إِذا جاءَهُمْ) : إما متعلق بآياتنا، أو بقلنا محذوف.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على نبوته، وصحة ما جاء به من عند الله. وهي: العصا، واليد، والجراد، والقُمل، والضفادع، والدم، والطوفان، والسنون، ونقص الثمرات. وقيل: انفجار الماء من الحجر، ونتق الطور، وانفلاق البحر، بدل الثلاث. وفيه نظر فإن هذه الثلاث لم تكن لفرعون، وإنما كانت بعد خروج سيدنا موسى عليه السلام. وعن صفوان بْن عسال: أن يهوديًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: «ألاَّ تُشركوا به شَيْئًا، ولا تَسْرقُوا، ولا تَزْنُوا، ولا تَقْتُلُوا النفس التي حرَّم الله إلاَّ بالحَقِّ، ولا تَسْحُروا، ولا تأكُلُوا الرِّبَا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سُلْطَانٍ ليَقْتُلَهُ، ولا تَقذفُوا المُحْصَنَة، ولا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ، وعليكم، خاصَّة اليهود، ألاَّ تَعْدُوا في السَّبْتِ» . فقبَّل اليهوديُ يَدَه ورجْلَه- عليه الصلاة والسلام «١» .

قلت: ولعل الحق تعالى أظهر لهم تسعًا، وكلفهم بتسع، شكرًا لما أظهر لهم، فأخبر- عليه الصلاة والسلام- السائل عما كلفهم به لأنه أهم، وسكت عما أظهر لهم لأنه معلوم. وإنما قبَّل السائلُ يده لموافقته لما في التوراة، وقد علم أنه ما عَلِمَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا بالوحى، وقوله عليه الصلاة والسلام: «وعليكم، خاصة اليهود، ألا تعدوا» ، حكم مستأنف زائد على الجواب، ولذلك غيَّر فيه سياق الكلام.


(١) أخرجه الترمذي فى (الاستئذان، باب ما جاء فى قبلة اليد والرجل) ، وقال: حسن صحيح. والنسائي فى (تحريم الدم، باب السحر) ، والإمام أحمد (٤/ ٢٣٩) والحاكم وصححه فى (الإيمان ١/ ٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>