وأوصاف العبودية أربعة: الذل، والفقر، والضعف والجهل. ومقابلها من أوصاف الربوبية أربعة: العز، والغنى والقوة والعلم، فبقدر ما يظهر العبد من أوصاف العبودية يمده الحق من أوصاف الربوبية، فبقدر ما يظهر العبد من الذل يمده من العز، وبقدر ما يظهر من الفقر يمده بالغنى، وبقدر ما يظهر من الضعف يمده من القوة، وبقدر ما يظهر من الجهل يمده من العلم، تحقق بوصفك يُمدك بوصفه، ولا يتحقق ظهور هذه الأوصاف إلا بين عباده لتمتحق بذلك أوصاف النفس.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وهو الرسول عليه الصلاة والسلام وما اقترن به من المعجزات الواضحات، وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ على لسانه نُوراً مُبِيناً وهو القرآن. أو جاءكم برهان من ربكم: المعجزات الظاهرة، وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً: القرآن العظيم، أي: جاءكم دليل العقل وشواهد النقل، فلم يبق لكم عذر ولا علة.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ أي: وحدوه في ربوبيته، وَاعْتَصَمُوا أي: تمسكوا بدينه أو بكتابه، فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وهي الجنة، وَفَضْلٍ: النظر لوجهه الكريم، قال البيضاوي: فِي رَحْمَةٍ أي: ثواب قدّره بإزاء إيمانه وعمله، رحمة منه، لا قضاء لحق واجب، وفضل إحسان زائد عليهما. هـ. وقال القشيري: سيحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم به وبالعرفان في الحال. هـ. وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ أي: إلى الوصول إليه، صِراطاً مُسْتَقِيماً أي: يبيّن لهم الوصول إليه، وهو طريق السير الذي لا عوج فيه العلم والعمل والحال، وقال البيضاوي: هو الإسلام والطاعة في الدنيا، وطريق الجنة في الآخرة. هـ.
الإشارة: قد جاءكم من يُعرفكم بالله، ويدلكم على الله، وهم أولياء الله، ببرهان واضح لا يخفى إلا على من كان خفاشيًا، وأنزلنا إليكم من سر قُدسنا، وبحر جبروتنا، نورًا مبينًا، تُشاهدون فيه أسرار الذات وأنوار الصفات، وهو ما ظهر من التجليات من القبضة الأولية المحمدية، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ في حال سيرهم إليه فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وهي حضرة القدس، (وفضل) وهو الترقي في أسرار المعارف إلى مالا نهاية له،