يغوصون على أسراره ومعانيه. وهم الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يتقنونها، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ على الوجه المشروع، ويدفعونها لمن يستحقها، لا جزاءً ولا شكوراً، ولا لجلب نفع أو دفع شر، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، كأنها نُصْبَ أعينهم. وخص بالذكر هذه الثلاثة لفضلها فإن الصلاة عماد الدين، والزكاة قرينتها لأن الأولى عبادة بدنية، والثانية مالية، والآخرة هي دار الجزاء، فلولا وقوعها لكان وجود هذا الخلق عبثاً، وتعالى الله عنه علواً كبيراً.
ثم مدح المتصف بتلك الخصال فقال: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أي: راكبون على مَتْنِ الهداية، متمكنون منها، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، الفائزون بكل مطلوب.
الإشارة: قال القشيري: الم، الألف إشارة إلى آلائه، واللام إلى لطفه، والميم إلى مجده وسنائه، فبآلائه دفع الجَحْدَ عن قلوب أوليائه، وبلطف عطائه أثبت المحبةَ في أسرار أصفيائه، وبمجده وسنائه هو مستغنٍ عن جميع خَلْقِه بوصف كبريائه. هـ.
ثم وصف كتابه بأنه هاد للسائرين، رحمة للواصلين إذ لا تكمل الرحمة إلا بشهود الحبيب، يكلمك ويناجيك، وهذه حالة أهل مقام الإحسان. قال القشيري: وشَرْطُ المحْسِنِ أن يكون محسناً إلى عباد الله: دانيهم وقاصيهم، مطيعِهم وعاصيهم. ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يأتون بشرائطها في الظاهر- ثم ذكرها-، وفي الباطن يأتون بشروطها من طهارة السَّرَّ عن العلائق، وسَتْرِ عورة الباطن، بتنقيته من العيوب لأن ما كان فيه فالله يراه.
فإذا أردت ألا يرى اللهُ عيوبَك فاحْذَرْها حتى لا تكون. والوقوف على مكان طاهر: هو وقوف القلب على الحدِّ الذي أُذن فيه، مما لا يكون فيه دعوى بلا تحقيق، بل رَحِمَ الله مَن وقف عند حدِّه بالمعرفة بالوقت، فيعلم وقت التذلُّل والاستكانة، ويميز بينه وبين وقت السرور والبسط، ويستقبل القبلة بَنْفسِه، ويعلق قلبه بالله، من غير تخصيص بقطْرِِ أو مكان أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وهم الذين اهتدوا في الدنيا، وسَلِموا ونَجوْا في العُقْبَى. هـ.