البهية والمراغب السنية. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ بيان لبعض الخيرات الأخروية.
الإشارة: إذا ظهر الدعاة إلى الله يُشوقون الناس إلى حضرة الله ترى من صُرِفَ عنه عِنَانُ العناية، ولم يضرب له مع السابقين بسهم الهداية، يميل إلى التقاعد إلى وطن الراحة، والميل إلى ما ألفه من سيىء العادة، يستأذن أن يتخلف مع النساء والصبيان، ويتنكب طريق الأقوياء من الشجعان، فإن تخلف هذا مع عوام الضعفاء فقد تقدم لهذا الأمر من يقوم به من الأقوياء، اختارهم الله لحضرته، وقواهم على مكافحة مشاهدته ومحبته، جاهدوا نفوسهم في معرفة محبوبهم، وبذلوا أموالهم ومهجهم في الوصول إلى مطلوبهم، (وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون) .
ثم ذكر اعتذار الأعراب، فقال:
[[سورة التوبة (٩) : آية ٩٠]]
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)
قلت: (المُعَذَرُون) : أصله: المعتذرون، نقلت حركة التاء إلى العين، وأدغمت التاء في الذال. وقرأ يعقوب:
«المُعذِرونَ» : اسم مفعول، من أعذر، إذا بالغ في العذر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ يعتذرون في التخلُّف عن الغزو لِيُؤْذَنَ لَهُمْ في القعود، قيل: هم أسد وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال. قيل: كاذبين، وقيل: صادقين. وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل، قالوا: إن غزونا معك غارت طيّىء على أهالينا ومواشينا، وقيل:
نزلت في قوم من غِفار. وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ من غير هؤلاء، وهم قوم لم يجاهدوا ولم يعتذروا في تخلفهم، فكذبوا في دعواهم الإيمان بالله ورسوله، يقال: كذبت فلاناً- بالتخفيف، أي: أخبرته بالكذب. ثم ذكر وعيدهم فقال: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالنار.
الإشارة: المتخلفون عن طريق الخصوص على ثلاثة أقسام:
قسم: أقروا بها، وعرفوا صحتها، ثم شحوا بأنفسهم وبخلوا بأموالهم، فاعتذروا في التخلف عنها بأعذار باطلة، فهؤلاء لا حجة لهم عند الله، وقوم أقبح منهم، لم يلتفتوا إلى من جاء بها ولم يرفعوا بذلك رأساً. قال تعالى في مثلهم: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.