لطلوع شموس العرفان، والدخول في مقام الكشف والعيان، الذي هو مقام الإحسان، وما خرج عن هذين السبيلين فهو سبيل المجرمين: إما بالكفر، وإما بالإصرار على العصيان، والعياذ بالله.
ثم نهى عن سلوك هذا السبيل- أعنى سبيل المجرمين- فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: إِنِّي نُهِيتُ أي: نهاني ربي أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ أي:
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أو ما تدعونها آلهة أي: تسمونها بذلك، وتخضعون لها من دون الله، قُلْ لهم:
لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ الفاسدة وعقائدكم الزائغة، قَدْ ضَلَلْتُ عن الحق إِذاً أي: إذا اتبعت أهواءكم، وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أي: ما أنا في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم إن اتبعت أهواءكم، وفيه تعريض بهم، وأنهم ضالون حائدون عن طريق الهدى، ليسوا على شيء منها.
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ أي: طريق واضحة مِنْ رَبِّي تُوصلني إلى تحقيق معرفته، واستجلاب رضوانه، أنا ومن اتبعنى، وَأنتم كَذَّبْتُمْ بِهِ أي: بربي حيث أشركتم به وعبدتم غيره، أو كذبتم بطريقه حيث أعرضتم عنها، واستعجلتم عقابه في الدنيا، ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب أو المعجزات، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ في تعجيل العذاب وتأخيره، أو في إظهار الآيات وعدم إظهارها، يَقُصُّ القصص الْحَقَّ وهو القرآن، أي: ينزله عليّ لأنذركم به، أو يقضي القضاء الحق من تعجيل ما يعجل وتأخير ما يؤخر، فيحكم بيني وبينكم إن شاء، وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ أي: القاضين.
قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي أي: في قدرتي وطوقي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أي: لأهلكتكم عاجلاً غضبًا لربي، وانقطع ما بيني وبينكم، ولكن الأمر بيد خالقكم الذي هو عالم بأحوالكم، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ أي: عالم بما ينبغي أن يؤخذ عاجلاً، وبمن ينبغي أن يمهل، فمفاتح الغيب كلها عنده، كما سيذكره.
الإشارة: قل، أيها العارف، المتوجه إلى الله، المنقطع بكليته إلى مولاه، الغائب عن كل ما سواه: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله من حب الدنيا، ومن الرياسة والجاه. قل: لا أتبع أهواءكم لأني قد اجتمعت