أمري الذي أريد ان أفعله، ما كنت قاطعة أمراً من الأمور، التي تتجلى في القلب، حتى تشهدون، وتشهدوا أنه رشد وحق، قالوا: نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد، والأمر إليك، حيث تطهرت، فانظري ماذا تأمرين لأن النفس إذا تزكت وتخلصت وجب تصديقها فيما تهتم به، قالت: إن الملوك- أي: الواردات الإلهية التي تأتي من حضرة القهار، إذا دخلوا قرية، أي: قلب نفس، أفسدوا ظاهرها بالتخريب والتعذيب، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، أي: أبدلوا عزها ذُلاً، وجاهها خمولاً، وغناها من الدنيا فقراً، وكذلك يفعلون.
وفي الحِكَم العطائية:«متى وردت الواردات الإلهية عليك هدمت العوائد لديك، إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون» . فكل وارد نزل بالإنسان ولم يغير عليه عوائده فهو كاذب، قال في الحِكَمِ:«لا تزكين وارداً لم تعلم ثمرته، فليس المراد من السحابة الأمطار، وإنما المراد منها وجود الأثمار» .
وبالله التوفيق.
ثم أشارت عليهم بإرسال الهدية لسليمان، كما قال تعالى:
يقول الحق جلّ جلاله في حكاية بلقيس- وكانت سيسة، قد سيست وساست، فقالت لقومها: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ سليمان وقومه، بِهَدِيَّةٍ أُصانعه بذلك عن ملكي، وأختبره، أملك هو أم نبي؟ فَناظِرَةٌ فمنتظرة بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ بأي شيء يرجعون، بقبولها أم بردها لأنها عرفت عادة الملوك، وحسن موقع الهدايا عندهم، فإن كان مَلِكاً قَبِلَها وانصرف. وإن كان نبياً ردها، ولم يَقبل منا إلا أن نتبعه على دينه، فبعثت خمسمائة غلام، عليهم ثياب الجواري وحُليهنِ، راكبين خيلاً، مغشاة بالديباج، محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجوهر، وخمسمائة جارية على رِمَاك «١» في زي الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة، وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت، وحُقاً فيه دُرة عذراء، وخرزة جزعية مثقوبة، معوجّة الثقب، وأرسلت رسلاً، وأمّرت عليهم المنذر ابن عمرو، وكتبت كتاباً فيه نسخة الهدية. وقالت فيه: إذ كنتَ نبياً فميّز بين الوصفاء والوصائف، وأخبر بما فى
(١) الرماك: جمع رمكة، وهى أنثى البغال. راجع اللسان (رمك ٣/ ١٧٣٣) .