للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ أي: كافيني في جميع أموري من إصابة الخير ودفع الشر. روى أنه صلّى الله عليه وسلم لما سألهم سكتوا، فنزلت «١» : قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ، لا على غيره أصلاً لعلمهم بأن كل ما سواه تحت قهر ملكوته.

الإشارة: الناس على قسمين: أعداء وأحباب، فإن نظرت إلى الأعداء وجدتهم لا يقدرون أن ينفعوك بشيء إلا ما قدّر الله لك، وإن نظرت إلى الأعداء وجدتهم لا يقدرون أن يضروك بشيء إلا ما قدّر الله عليك، فارفض الجميع، وتعلق بالله يغنك عن غيره، ويوصل إليك ما قسم لك بالعز والهناء.

ثم توعدهم بالعذاب، فقال:

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٣٩ الى ٤١]

قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ أي: على حالتكم التي أنتم عليها، وجهتكم من العداوة التي تمكنتم فيها، فالمكانة بمعنى المكان، فاستعيرت من العين للمعنى، وهي الحال، كما تستعار «هنا» .

و «حيث» للزمان، وإنما وضعا للمكان. وقرأ أبو بكر وحماد: «مكانات» بالجمع. إِنِّي عامِلٌ على مكانتي، فحذف للاختصار، والمبالغةِ في الوعيد، والإشعار بأن حاله لا تزال تزداد قوة بنصر الله تعالى له، وتأييده، ولذلك توعّدهم بقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ فإنَّ خزي أعدائه دليل غلبته صلّى الله عليه وسلم ونصره في الدنيا والآخرة. وقد أخزاهم وعذّبهم يوم بدر، وَسوف تعلمون أيضاً مَن يَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ في الآخرة لأنه مقيم على الدوام.

ثم ذكر الفاصل بين أهل العذاب المقيم، والنعيم الدائم، فقال: إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ أي:

لأجلهم، فمَن أعرض عنه فقد استحقَّ العذاب الأليم، ومَن تمسّك به استوجب النعيم المقيم، حال كونه ملتبسا


(١) انظر تفسير القرطبي (٦/ ٥٨٧١) والبغوي (٧/ ١٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>