شأنهم بيان الحقّ. إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ. والله تعالى أعلم.
ثم رجع الحقّ تعالى إلى الترغيب في الصدقة والإخلاص فيها، فقال:
وَما تُنْفِقُوا ...
قلت: هذه ثلاث جمل كلها تدل على الترغيب في إنفاق الطيب وإخلاص النية.
يقول الحق جلّ جلاله: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ قليل أو كثير، فهو فَلِأَنْفُسِكُمْ لا ينتفع به غيركم، فإن كان طيباً فلأنفسكم، وإن كان خبيثاً فأجره لكم، وإن مننتم به أو آذيتم فقد ظلمتم أنفسكم، وإن أخلصتم فيه فلأنفسكم.
وأيضاً إنكم تَدَّعُونَ أنكم ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ، فكيف تقصدون الخبيث، وتجعلونه لوجه الله؟ وكيف تَمُنُّونَ أو تؤذون بها وهى لوجه الله؟ هذا تكذيب للدعوى، وكل ما تنفقون من خيرٍ قليل أو كثير يُوَفَّ إِلَيْكُمْ جزاؤه يوم القيامة بسبعمائة إلى أضعاف كثيرة، ويخلفه لكم في الدنيا، وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ شيئاً من أعمالكم إن أخلصتم أو أحسنتم. وستأتي إشارتها مع ما بعدها.
قلت:(للفقراء) : متعلق بمحذوف، أي: يعطي ذلك للفقراء، أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء، والإلحاف: هو الإلحاح في السؤال، وهو أن يلازم المسئول حتى يعطيه، وهو منصوب على المصدر أو الحال.
يقول الحق جلّ جلاله: تجعلون ما تنفقونه لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا أي: حبسوا أنفسهم في سَبِيلِ اللَّهِ وهو الجهاد، لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ أي: ذهاباً في الأرض للتجارة أو للأسباب، بل شغلهم الجهاد والتبتل للعبادة عن الأسباب، وهم أهل الصُّفَّة، كانوا نحواً من أربعمائة من فقراء المهاجرين، يسكنون صفة المسجد، يستغرقون أوقاتهم في العلم والذكر والعبادة، وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم.