آنسْتُ في الحَيّ نارًا ... لَيْلاً فَبَشّرْتُ أهلي
قُلْتُ: امْكُثُوا، فلَعلّي ... أجِدْ هُدايَ، لَعَلّي
دَنَوْتُ مِنها فكانَتْ ... نار التكلم قبلي
نودِيتُ منها كفاحًا: ... رُدّوا لَياليَ وصلي
حتى إذا ما تَدانَى ال ... ميقاتُ في جَمْعِ شَملي
صارتْ جِبالِيَ دكًا ... مِنْ هيبَةِ المُتَجَلّي
ولاحَ سرًّ خَفيٌ ... يدْرِيه مَنْ كَانَ مِثْلي
فالموتُ فِيهِ حياتي ... وفي حَياتيَ قَتلي
وصِرْتُ مُوسَى زَمَاني ... مذ صار بعضي كلي
قوله: «صارت جبالي دكًّا» ، أي: جبال وجوده، فحصل الزوال من هيبة نور المتجلي، وهو الكبير المتعال. وهذا إنما يكون بعد موت النفس وقهرها، فإنها حينئذ تحيا بشهود ربها، حياة لا موت بعدها. وقوله: «مذ صارَ بَعْضِيَ كُلِّي» يعني: إنما حصلت له المناجاة والقرب الحقيقي حين فنيت دائرة حسه، فاتصل جزء معناه بكل المعنى المحيط به، وهو بحر المعاني المُفني للأواني. وبالله التوفيق.
ثم ذكر مكالمته مع كليمه عليه السّلام، فقال:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٧ الى ٢٣]
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١)
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣)
قلت: (وَما) : استفهامية، مبتدأ، و (تِلْكَ) : خبر، أو بالعكس، فما: خبر، وتلك: مبتدأ، وهو أوفق بالجواب.
و (بِيَمِينِكَ) : متعلق بالاستقرار حالاً، أي: وما تلك، قارةً أو مأخوذة بيمينك، والعامل معنى الإشارة. وقيل: (تِلْكَ) :
موصولة، أي: وما التي هي بيمينك، والاستفهام هنا: إيقاظ وتنبيه له عليه السلام على مما سيبدُو له من العجائب، وتكرير النداء لزيادة التأنيس والتنبيه.