للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمة الشقاء لا يُؤمن بأهل الفناء والبقاء، فلا يزال في تعب وشقاء، إذ لا طريق إلى شهود الحق وإفراده بالوجود إلا بصحبة أهل الفناء والبقاء، الموصوفين بالكرم والجود، واعلم أن كل مَن لم يصل إلى مقام الشهود، فهو ضال عندهم في مذهبهم، وبالله التوفيق.

ثم ذكر عجز آلهتهم، احتجاجا عليهم، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)

قلت: من قرأ (يَهَدّي) «١» بفتح الهاء، فأصله: يهتدي، نقلت حركة التاء إلى الهاء، وأدغمت في الدال. ومن قرأ بكسر الهاء فعلى التقاء الساكنين، حين سكنت التاء لتدغم. ومن كسر الياء فعلى الاتباع، ومن قرأ بالاختلاس فإشارة إلى عروض الحركة، ومن قرأ: «يهدي» بالسكون، فمعناه يهدي غيره.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ بإظهاره للوجود ثُمَّ يُعِيدُهُ بالبعْث. فإن قلت كيف يحتج عليهم بالإعادة، وهم لا يعترفون بها؟ فالجواب: أنها لظهور برهانها وتواتر أخبارها كأنها معلومة عندهم، فلو أنصفوا ونظروا لأقروا بها، ولذلك أمر الرسول بأن ينوب عليهم في الجواب، فقال: قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لأن لجاجهم وجحودهم لا يتركهم يعترفون بها، ولذلك قال لهم: فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ: تُصرفون عن سواء السبيل. وقُلْ لهم أيضاً: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ بنصب الدلائل، وإرسال الرسل، والتوفيق للنظر والتدبر؟ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ. قال البيضاوي: وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء، يعدى باللام للدلالة على منتهى غاية الهداية. انظر تمامه.

أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وهو الله أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلى شيء، فأولى ألا يهدي غيره إِلَّا أَنْ يُهْدى؟ أي: إلا أن يهديه غيره، وهي معبوداتهم، كالملائكة والمسيح وعزير، فلا يستطيعون أن يهدوا أنفسهم إلا أن يهديهم الله. وحمل ابن عطية الآية على الأصنام، وقال: معنى قوله: أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى هى


(١) فى قوله تعالى: «أمن لا يهدى» . وقد قرأ حفص ويعقوب بفتح الباء وكسر الهاء وتشديد الدال، وقرأ ابن كثير وابن عامر وورش بفتح الياء والهاء وتشديد الدال. وقرأ أبو بكر بكسر الياء والهاء، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال. وقرأ قالون وأبو عمرو بفتح الياء وتشديد الدال، واختلف فى الهاء عنهما.. انظر الإتحاف (٢/ ١٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>