الإشارة: يا أيها الذين آمنوا إيمانَ أهل العِرْفان، كلوا من طيبات ما رزقناكم من حلاوة الشهود والعيان، واشكروا الله الكريم المنَّان، إن كنتم تخصونه بالعبادة والإحسان، أو: يا أيها الذين آمنوا إيمان أهل الصفاء، ووقفوا مع الحدود وقوف أهل الوفاء، كلوا من طيبات ما رزقناكم من ثمرات بساتين العلوم، واشكروا لله يزدكم من المواهب والمفهوم، إن كنتم تعبدون الحيّ القيوم، إنما حرَّم عليكم ما يعوقكم عن هذه المواهب، أو ينزلكم عن منابر تلك المراتب، كالميل إلى جيفة الدنيا، أو الركون إلى متابعة الهوى، أو تأخذون منها ما قُصد به غيرُ الله، أو تقبضونها من يد غير الله. فمن اضطر إلى أخذ شيء من نجاستها، فأخَذَ القدر الذي احتاج إليه منها، دون التشوُّف إلى ما زاد عليه، غير قاصد بذلك شهوة ولا متعة، فلا إثم عليه، إن الله غفور رحيم.
قال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل رضي الله عنه لما تكلم على الغَنِيَّ بالله، قال:(علامته هو الذي ترك الدنيا للخلق، حتى لا يكون له فيها حق معهم، إلا ما فَضَل عنهم من بعد اضطراره واحتياجه، ويترك الآخرة لمولاه، حتى لا يكون له فيها حق إلا النظر في وجه الله، ويترك أيضاً نفسه لله حتى لا يكون فيها حق إلا حق مولاه، ولا إرادة له إلا ما أراد مولاه، ويكون كالغصن الرطب أينما مالت به الريح يلين ويميل معها، ولا ينكر على الخلق حالاً من أحوالهم) . هـ.
ومن جملة ما ألحق بهذه المحرمات الرّشا وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك ذكره الله تعالى بإثر ما أحلّه للمؤمنين، فقال:
قلت:(ما) تعجيبة، مبتدأ، وهي نكرة، وسوَّغَ الابتداء معنى التعجب، وجملة (أصبرهم) خبر، أي: أيُّ شيء عظيم صيَّرهم صابرين، أو استفهامية، أي: أيُّ شيء حملهم على الصبر على النار؟.