للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والمؤمنون عطف على الراسخين، و (يؤمنون) : حال منهم. و (المقيمين) : نصب على المدح، لأن العرب إذا تطاولت في مدح شيء أو ذمه خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه، نظيره: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ. وقالت عائشة رضي الله عنهما: هو لحن من الكُتَّاب «١» ، وفي مصحف ابن مسعود: (والمقيمون) بالرفع على الأصل.

يقول الحق جلّ جلاله: ليس أهل الكتاب كلهم كما ذكرنا، لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ كعبد الله ابن سلام، ومخيريق، وغيرهما ممن له علم بالكتب المتقدمة، وَالْمُؤْمِنُونَ منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، من عوامهم حال كونهم يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ أي: يؤمنون إيمانًا كاملاً بلا تفريق، وأخص الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، المتقنين لها، الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ المفروضة، وَالْمُؤْمِنُونَ منهم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، على صفة ما جاء به القرآن من البعث بالأجسام والحساب وغير ذلك مما هو مقرر في السنة، أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً، فتكون الآية كلها في أهل الكتاب.

أو يقول الحق جلّ جلاله: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ من أهل الكتاب، وَالْمُؤْمِنُونَ بمحمد صلى الله عليه وسلم، من العرب، وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ منهم، وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً.

الإشارة: كل من تحقّقت توبته بعد عصيانه، وظهرت يقظته بعد غفلاته، ورسخ في العلم بالله وبصفاته وأسمائه التحق بالسابقين، وحشر مع المقربين، وكان ممن أوتي أجرًا عظيمًا وخيرًا جسيمًا، والحمد لله رب العالمين.

ثم أجاب أهل الكتاب عن سؤالهم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء فقال:

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٣ الى ١٦٥]

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥)


(١) رد العلماء والمفسرون على هذا الخبر، ومنهم الإمام ابن جرير الطبري الذي قال: لو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون فى كل المصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب، الذي أخطأ فى كتابه. وفى اتفاق مصحفنا ومصحف أبى فى ذلك ما يدل على أنَّ الذي فى مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ. مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعلّمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه ولقنوه الأمة تعليما على وجه الصواب. وفى نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة على ما هو به فى الخط مرسوما، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع فى ذلك للكاتب. انظر: تفسير الطبري بتعليق الشيخ شاكر- والإتقان للسيوطى، وتفسير الرازي.

<<  <  ج: ص:  >  >>