خاب وخسر، والاستجابة أقسام، قال القشيري: فمستجيبٌ بنفسه، ومستجيبٌ بقلبه، ومستجيبٌ بروحه، ومستجيبٌ بسرِّه، ومَن توقف عند دعاء الداعي إليه، ولم يُبادر إلى الاستجابة هُجِرَ فيما كان يُخَاطب به. هـ.
قلت: المستجيب بنفسه هو المستجيب بالقيام بوظائف الإسلام، والمستجيب بقلبه القائم بوظائف الإيمان، والمستجيب بروحه القائم بوظائف الإحسان، والمستجيب بسره هو المتمكن من دوام الشهود والعيان، وقول: هجر فيما يُخاطب به، أي: كان يُخاطب بملاحظة الإحسان، فإذا لم يبادر قِيد بسلاسل الامتحان. والله تعالى أعلم.
قلت: وَلَمْ يَعْيَ: حال من فاعل «خلق» ، يُقال: عَي، كرضَى، وَعِيَ بالإدغام، وهو أكثر. قاله في الصحاح.
وفي القاموس: عَيَّ بالأمر وعيى كرضى، وتَعايا واسْتَعيا وتَعَيَّا: لم يهتدِ لوجه مُراده، أو عَجَزَ عنه ولم يُطِقْ إحكامه. هـ. وبِقادِرٍ: خبر «أن» ، ودخلت الباء لاشتمال النفي الذي في صدر الآية على «أنّ» وما في حيّزها، قال الزجاج: لوقلت: ما ظنت أنَّ زيداً بقائم، جاز.
يقول الحق جلّ جلاله: أَوَلَمْ يَرَوْا أي: ألم يتفكروا ولم يعلموا علماً جازماً أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، ابتداء من غير مثال يحتويه، ولا قانون يحتذيه، وَالحال أنه لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ أي: لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلاً، ولم يعجز عنه، أليس مَن فعل ذلك بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى:
جواب النفي، أي: بلى هو قادر على ذلك، إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تقرير للقدرة على وجه عام، ليكون كالبرهان على المقصود.
ثم ذكر عقاب مَن أنكر البعث المبرهن عليه، فقال: وَاذكر يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ فيقال لهم: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ، فالإشارة إلى ما يُشاهدونه من فظيع العذاب، وفيه تهكُّم بهم، وتوبيخ لهم، على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده، ونفيه بقولهم:«وما نحن بمعذبين» ، قالُوا في جواب الملائكة: بَلى