العزُّ والاقتراب. قال القشيري على قوله: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً إلخ: كانوا في الدنيا مُبْعَدِين عن معرفته، وفي الآخرة مبعدين عن مغفرته، فانقلبوا من طَرْدٍ إلى طَرْدٍ، ومن هجرٍ إلى بُعْدٍ، ومن فراقٍ إلى احتراق. هـ.
ولما أغرقَ أهل الظلم والعناد، أنزل الهداية على أهل العناية والوداد، كما قال تعالى:
[[سورة القصص (٢٨) : آية ٤٣]]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ: التوراة مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى قوم نوح وهود وصالح ولوط- عليهم السلام-، حال كون الكتاب بَصائِرَ لِلنَّاسِ أنواراً لقلوبهم، يتبصرون الحقائق، ويُميزون بين الحق والباطل. فالبصيرة: عين القلب، الذي يبصر بها الحق، ويهتدى بها إلى الرشد والسعادة. كما أن البصر عين الرأس التي يُبصر بها الحسيات، أي: آتيناه التوراة، أنواراً للقلوب التي كانت عمياً لا تستبصر ولا تعرف حقاً من باطل، وَهُدىً وإرشاداً إلى الشرائع لأنهم كانوا يخبطون في الضلال.
وَرَحْمَةً لمن اتبعها لأنهم، إذا عملوا بها، وصلوا إلى نيل الرحمة، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، أي: ليكونوا على حال يُرجَى منهم التذكر والاتعاظ. وبالله التوفيق.
الإشارة: إنما تطيب المنازل إذا خلت من الأجانب والأراذل. وأطيب عيش الأحباب إذا غابت عنهم الرقباء وأهل العتاب، فلما أهلك الله فرعونَ وجنوده، وأورث بني إسرائيل ديارهم، ومحى عن جميعها آثارهم، طاب عيشهم، وظهرت سعادتهم، وتمكنوا من إقامة الدين. وكذلك أهل التوجه إلى يوم الدين.
ثم ذكر دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، بعد ذكر قصة موسى لاشتراكهما فى شدة المعالجة، فقال:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّآ أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)
يقول الحق جلّ جلاله: وَما كُنْتَ يا محمد بِجانِبِ المكان الْغَرْبِيِّ من الطور، وهو الذي كلم الله فيه موسى، وهو الجانب الأيمن. قال السهيلي: إذا استقبلت القبلة، وأنت بالشام، كان الجبل يميناً منك،