في الواجب والتطوع. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه مكارم أعمال القلب، من الخشية والإخلاص والتوكل، ومحاسن أعمال الجوارح التي هي العِيار عليها، كالصلاة والصدقة، لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي: كرامات وعلو منزلة، أو درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، وَمَغْفِرَةٌ لما فرط من ذنوبهم، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أعده لهم في الجنة، لا ينقطع مدده، ولا ينتهي أمده، بمحض الفضل والكرم.
الإشارة: الانفال الحقيقة هي المواهب التي ترد على القلوب، من حضرة الغيوب من العلوم اللدنية والأسرار الربانية، لا تزال تتوالى على القلوب، حتى تغيب عما سوى المحبوب، فيستغني غناء لا فقر معه أبداً، وهذه غنائم خصوص الخصوص، وغنائم الخصوص: هي القرب من الحبيب، ومراقبة الرقيب، بكمال الطاعة والجد والاجتهاد، وهذه غنائم العباد والزهاد، وغنائم عوام أهل اليمين: مغفرة الذنوب، والستر على العيوب، والنجاة من النار، ومرافقة الأبرار، وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:«مَنْ قَالَ عِندَ نَوْمِهِ: أسْتَغْفِر اللِّه َالعَظِيمَ الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحى القيوم وَأَتُوبُ إِليْهِ، غَفَرَ الله ذُنُوبَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زبد البحر، وعدد الرمال وعَدَدَ أَيَّامِ الدُّنْيَا»«١» .
قال الشيخ زروق: وهذه هي الغنيمة الباردة، وهذه الأمور بيد الله وبواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو معنى قوله:
قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، ثم دل على موجباتها فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ... الآية، وقوله تعالى: زادَتْهُمْ إِيماناً: اعْلم أن الإيمان على ثلاثة أقسام: إيمان لا يزيد ولا ينقص، وهو إيمان الملائكة، وإيمان يزيد وينقص، وهو إيمان عامة المسلمين، وإيمان يزيد ولا ينقص وهو إيمان الأنبياء والرسل، ومن كان على قدمهم من العارفين الروحانيين الراسخين في علم اليقين، ومَنْ تعلق بهم من المريدين السائرين، فهؤلاء إيمانهم دائما فى الزيادة، وأرواحهم دائما فى الترقي فى المعرفة، يزيدون بالطاعة والمعصية لتيقظهم وكمال توحيدهم، وفي الحكم:«وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول» . وقال أيضا:«معصية أورثت ذُلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً» والله تعالى أعلم.