الإشارة: خلق الحق- تعالى- أرض النفوس محلاًّ للعبودية، وأرساها بجبال العقل، لئلا تميل إلى بحر الهوى، وبارك فيها، بأن جعل فيها صالحين وأبراراً، وعباداً وزهاداً، وعُلماء أتقياء، وقدّر لها أقواتها الحسية والمعنوية، فجعل الحسية سواء للسائلين، أي: مستوية لا يزيد بالطلب ولا بالتعب، ولا ينقص، ففيه تأديب لمَن لم يرضَ بقسمته، والأرزاق المعنوية: أرزاق القلوب من اليقين والمعرفة، يزيد بالطلب والتعب، وينقص بنقصانه، حكمة من الحكيم العليم، ثم استوى إلى سماء الأرواح، أي: قصدها بالدعاء إليه، وهي لطائف، فقال لها ولأرض النفوس: ائتيا إلى حضرتي، طوعاً أو كرهاً، قالتا: أتينا طائعين، فقضاهن سبع طبقات، وهي دوائر الأولياء، دائرة الغوث، ثم دائرة الأقطاب، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم النجباء، ثم الأبرار، ثم الصالحين. وأوحى في كل سماء، أي:
في كل دائرة ما يليق بها من العبادة، فمنهم مَن عبادته الشهود والعيان، ومنهم مَن عبادته الفكرة، ومنهم الركوع والسجود، ومنهم التلاوة والذكر ... إلى غير ذلك من أنواع الأعمال.
قال القشيري: وجعل نفوسَ العابدين، أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلَكاً لنجوم علمه، وشموس معرفته، فأوتاد النفوس الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة، وفي قلوب ضياءُ العرفان، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقول، والنفوس والقلوب، بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه. وقال في قوله: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها: الجبالُ أوتادُ الأرض، في الصورة، والأولياءُ رواسي الأرض في الحقيقة، بهم تنزل البركة والأمطار، وبهم يُدفع البلاء. ثم قال: قوله تعالى: وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وزيَّن وجه الأرض بمصابيح، وهي قلوب الأحباب، فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب أولياء الله بالليل، فذلك متنزهُهُم، كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء تأنّسوا برؤية الكواكب. هـ.