للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَدْعُونَنا إِلَيْهِ من التوحيد والإيمان، مُرِيبٍ: مُوقع في الريبة، أو: ذي ريبة، وهو: قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شيء.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٠ الى ١٢]

قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)

فأجابتهم الرسل عن دعواهم الشك في الربوبية، قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ: أفي وجوده شك، أو في ألوهيته، أو في وحدانيته شك؟ قال البيضاوي: أُدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه، لا في الشك، أي: إنما ندعوكم إلى الله، وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة، وظهور دلالتها عليه. هـ. وأشار إلى ذلك بقوله: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: خالقهما ومبدعهما على هذا الشكل الغريب، والإتقان العجيب إذ لا يصدر إلا من إله عظيم القدرة، باهر الحكمة، واحد في ملكه لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا «١» ، وهو يَدْعُوكُمْ إلى الإيمان والتوحيد، ببعثه إيانا، والتصديق بنا، لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ إن آمنتم، أي: يغفر لكم بعض ذنوبكم، وهو ما تقدم قبل الإسلام، ويبقى ما يذنب بعده في المشيئة، أو: ما بينكم وبينه دون المظالم.

والجمهور: أنه يغفر للكافر ما سلف مطلقاً، وقيل: «مِنْ» : زائدة، على غير مذهب سيبويه. قال البيضاوي: وجيئ بمن، في خطاب الكفرة، دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة، حيث جاءت في خطاب الكفار، مرتبة على الإيمان، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة، والتجنب عن المعاصي، ونحو ذلك فيتناول الخروج عن المظالم. هـ. وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: إلى وقت سماه الله، وجعله آخر أعماركم. وقال الزمخشري تبعاً للمعتزلة: يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم، وإن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت، وهذا على قولهم بالأجلين. وأهل السنة يأبون هذا فإن الأجل عندهم واحد محتوم، والله تعالى أعلم.

الإشارة: التفكر والاعتبار أفضل عبادة الأبرار، وفي الحديث: «تفكُّر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة» .

فيتفكر العبد فيما سلف قبله من القرون الماضية والأمم الخالية، كيف رحلوا عن ديارهم المشيدة، وفروشهم الممهدة، واستبدلوها بضيق القبور، وافتراش التراب تحت الجُنوب، وجاءهم الموت وهم غافلون، وتجرعوا كأسها وهم كارهون، فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى مافاتهم رجعوا، قدِموا على ما قدَّموا، وندموا على ما خلفوا، ولم ينفع الندم وقد جف القلم. فيوجب هذا التفكرُ الانحياش إلى الله، والمسارعة إلى طاعة الله، والزهد فى هده الدار الفانية، والتأهب للسفر إلى الدار الباقية فيفوز فوزاً عظيماً. وفي تكذيب الصادقين تسلية للعارفين، وللمتوجهين من المريدين، إذا قُوبلوا بالإيذاء والتكذيب، وبالله التوفيق.


(١) من الآية ٢٢ من سورة الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>