الإشارة: مَنْ حَصَّلَ التقوى في صغره، كان آية في كِبَرِهِ. تقول العامة: الثور الحراث في الربك يبان، وتقول الصوفية: البداية مجلاة النهاية. وقالت الحكماء: الصغر يخدم على الكبر. وبالله التوفيق.
قلت:«أمة» : حال من «أمتكم» أي: متحدة أو متفقة، والعامل فيه ومعنى الإشارة، والإشارة إلى طريق الأنبياء المذكورين قبلُ.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ هذِهِ الطريق والسيرة التي سلكها الأنبياء المذكورون، واتفقوا عليها، وهو التوحيد، هي أُمَّتُكُمْ أي: ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها، ولا تخرجوا عنها، حال كونها أُمَّةً واحِدَةً، غير مختلفة فيما بين الأنبياء- عليهم السلام- وإن اختلفت شرائعهم. وفي الحديث:«الأنْبِيَاءُ أبناء عَلاَّتٍ، أُمهَاتُهمْ شتَّى، وأبوهم واحد» والعلات: الضرائر، أي: شرائعهم مختلفة، وأبوهم واحد، وهو التوحيد. قال القشيري: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ أي: ربيتكم اختيارًا، فاعبدوني شكرًا وافتخارًا. هـ. والخطاب للناس كافة.
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ، أصل الكلام: وتقطعتم في أمر دينكم وتفرقتم. إلاَّ أن الكلام صرف إلى الغيبة، على طريقة الالتفات ليَنْعي عليهم ما أفسدوه في الدين. والمعنى: فجعلوا أمر دينهم فيما بَيْنَهُمْ قِطَعًا، وصاروا أحزابًا متفرقة، كأنه يُنْهِي إلى أهل التوحيد قبائح أفعالهم، ويقول: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله، الذي أجمعت عليه كافة الأديان؟ ثم توعدهم بقوله: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ أي: كل واحد، من الفرق المتقطعة، راجع إلينا بالبعث، فنجازيهم حينئذ بحسب أعمالهم.
ثم فصَّل الجزاء فقال: فَمَنْ يَعْمَلْ شيئًا مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله ورسله وبما يجب الإيمان به.
قال القشيري:(وهو مؤمن، أي: في المآل بأن يختم له به) ، وكأنه يشير إلى الخاتمة لأن من لم يختم له بالإيمان لا ثواب لأعماله، والعياذ بالله، فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ أي: لا حرمان لثواب عمله، بل سعيُه مشكور مقبول، فالكفران مَثلٌ في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثلٌ في إعطائه، وعبّر عن ذلك بالكفران، الذي هو ستر النعمة