للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا الذي أتى به محمد هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ كأصحاب لوط، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ، قيل: القائل هذا هو النضر بن الحارث، وهو أبلغ في الجحود. رُوِيَ أنه لما قال: «إنْ هذا إلا أساطيرُ الأولين» ، قال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «ويلك إنه كلام الله» فقال هذه المقالة. والذي في صحيحي البخاري ومسلم: أن القائل هو أبو جهل «١» ، وقيل: سائر قريش لمّا كذبوا النبي صلى الله عليه وسلّم دعوا على أنفسهم، زيادة في تكذيبهم وعتوهم. وقال الزمخشري: ليس بدعاء، وإنما هو جحود، أي: إِن كَانَ هّذاَ هُوَ الحق فأمطر علينا، لكنه ليس بحق فلا نستوجب عقاباً. بالمعنى.

الإشارة: قد وقعت هذه المقالة لبعض المنكرين على الأولياء، فعجلت عقوبته، ولعل ذلك الولي لم تتسع دائرة حلمه ومعرفته، وإلا لكان على قدم نبيه صلى الله عليه وسلّم حيث قال الله تعالى فِى شأنه:

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)

يقول الحق جلّ جلاله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ موجود فِيهِمْ، ونازل بين أظهرهم، وقد جعلتك رحمة للعالمين، خصوصاً عشيرتك الأقربين، وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قيل: كانوا يقولون: غفرانك اللهم، فلما تركوه عُذبوا يوم بدر، وقيل: وفيهم من يستغفر، وهو من بقي فيهم من المؤمنين، فلما هاجروا كلهم عُذبوا، وقيل: على الفَرض والتقدير، أي: ما كان الله ليعذبهم لو آمنوا واستغفروا.

قال بعض السلف: كان لنا أمانان من العذاب: النبي صلى الله عليه وسلّم والاستغفار، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلّم ذهب الأمان الواحد وبقي الآخر «٢» ، والمقصود من الآية: بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده صلّى الله عليه وسلّم أو من يستغفر فيهم.

ثم قال تعالى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أيْ: وأيُّ شيء يمنع من عذابهم؟ وكيف لا يعذبون وَهُمْ يَصُدُّونَ الناس عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ؟ أي: يمنعُون المتقين من المسجد الحرام، ويصدون رسوله عن


(١) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة الأنفال) ومسلم فى (صفات المنافقين، باب في قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.
(٢) رسول الله صلى الله عليه وسلّم باق فينا بهديه وسنته، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>