أرواحكم، وإنما أنزلناه كراهة أَنْ تَقُولُوا يوم القيامة في الحجة: إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا اليهود والنصارى، وإنما خصهما بالذكر لشهرتهما دون الكتب السماوية، وَإِنْ كُنَّا وإنه، أي: الأمر والشأن، كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ أي: قراءتهم لَغافِلِينَ أي: كنا غافلين عن قراءة أهل الكتاب، لا ندري ما هي ولا نعرف مثلها، أو لم ندرس مثل دراستهم، ولم نعرف ما درسوا من الكتب، فلا حجة علينا، فقد قامت الحجة عليكم بنزول القرآن.
أَوْ كراهة أن تَقُولُوا أيضًا: لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما أنزل إليهم، لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا، ولذلك تلقفنا فنونًا من العلم، كالقصص والأشعار والخطب والأنساب، مع كوننا أميين، قال تعالى لهم: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وهو القرآن حجة واضحة تعرفونها وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لمن تدبره وعمل به، فَمَنْ أَظْلَمُ أي: لا أحد أظلم مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ بعد أن عرف صحتها، وَصَدَفَ أعرض عَنْها، سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ ألمه وقبحه، بِما كانُوا يَصْدِفُونَ أي: يعرضون ويصدون عنها.
الإشارة: جعل الله رحمة القلوب وحياة الأرواح في شيئين: في التمسك بالقرآن العظيم وتدبر معانيه، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وفي التحصن بالتقوى جهد استطاعته، فبقدر ما يتحقق بهذين الأمرين تقوى حياة قلبه وروحه وسره، حتى يتصل بالحياة السرمدية، وبقدر ما يُخل بهما يحصل له موت قلبه وروحه، والإنسان إنما فضل وشرف بحياة قلبه وروحه، لا بحياة جسمه، ولا حجة له أن يقول: كنت مريضًا ولم أجد من يعالجني، ففي كل زمان رجال تقوم الحجة بهم على عباد الله، فيقال لهم: قد جاءكم بينة من ربكم، وهو الولي العارف، وهدى ورحمة لأهل عصره، لمن تمسك به وصحبه، وأما من أعرض عنه بعد معرفته فلا أحد أظلم منه، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها ... الآية.
يقول الحق جلّ جلاله: هَلْ يَنْظُرُونَ أي: ما ينتظر أهل مكة إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ لقبض أرواحهم، أو بالعذاب، لأجل كفرهم، وهم لم يكونوا ينتظرون ذلك، ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أي: أمره بالعذاب، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعني: أشراط الساعة.