للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ «١» ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ «٢» ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ... «٣» الآية، وبقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ... «٤» الآية. وذلك حين يظهر الحق، ويزهق الباطل، كما قال: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ أي: الإسلام أو الوحي، وَزَهَقَ الْباطِلُ ذهب، وهلك الكفر والشرك، وتسويلات الشيطان إِنَّ الْباطِلَ كائنًا ما كانَ زَهُوقاً أي: شأنه أن يكون مضمحلاً غير ثابت. وعن ابن مسعود رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْح، وحَوْلَ البَيْتِ ثَلاثُمِائةٍ وَسِتُّون صَنَمًا، فَجَعَل يَطْعَنُ بمخْصَرةٍ «٥» كانت بيَده في عين كُل واحد، ويقول: جاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الباطِلُ، فَيَنْكَبُّ لِوَجْهِهِ، حَتَّى أَلْقَى جمِيعها، وَبَقِيَ صَنَمُ خُزَاعَة فوْقَ الكَعْبَةِ، وكَانَ من صُفْرٍ، «٦» فقال:

يا عَلِيُّ، ارْمِ بِهِ فصعَدَ إليه، ورَمَى به، فَكَسَرَهُ «٧» . هـ.

الإشارة: إذا تمكن العارفون من شهود حضرة القدس ومحل الأنس، وصارت معشش قلوبهم كان نزولهم إلى سماء الحقوق وأرض الحظوظ بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين. فلم ينزلوا إلى سماء الحقوق بسوء الأدب والغفلة، ولا إلى أرض الحظوظ بالشهوة والمتعة، بل دخلوا في ذلك بالله ولله، ومن الله وإلى الله، كما في الحكم. ثم قال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ليكون نظري إلى حولك وقوتك إذا أدخلتني، وانقيادي إليك إذا أخرجتني. وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً ينصرني ولا ينصر عليّ، ينصرني على شهود نفسي، حتى أغيب عنها وعن متعتها وهواها، ويفنيني عن دائرة حسي، حتى تتسع عليّ دائرة المعاني عندي، وأفضي إلى فضاء الشهود والعيان، فحينئذ يَزهق الباطل، وهو ما سوى الله، ويجيء الحق، وهو وجود الحق وحده، فأقول حينئذ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، وإنما أثبته الوهم والجهل، وإلا فلا ثبوت له ابتداء وانتهاء.

وثبوت الوهم والجهل فى القلب: مرض من الأمراض، وشفاؤه فى التمسك بما جاء به القرآن العظيم، كما قال تعالى:

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨٢]]

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢)


(١) من الآية ٥٦ من سورة المائدة. [.....]
(٢) من الآية ٣٣ من سورة التوبة.
(٣) من الآية ٥٥ من سورة النور.
(٤) الآيتان: ١٧١- ١٧٢ من سورة الصافات.
(٥) المخصرة: ما يختصره الإنسان بيده، فيمسكه من عصا ونحوها ... انظر: مختار الصحاح، (خصر) .
(٦) أي: من نحاس.
(٧) أخرجه البخاري فى (التفسير، سورة الإسراء) ، ومسلم فى (الجهاد، باب فتح مكة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>