ملَّكناك، «عين» علمناك، «سين» ساررناك، «قاف» قربناك. فنازعوني في ذلك ولم يقبلوه، فقلت: نسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليفصل بيننا، فسرنا إليه، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا: الذي قال محمد بن سلطان هو الحق] . وكأنه يشير إلى أنها صفات أفعال.
قلت:(ذِكْرُ) : خبر عن مضمر، أي: هذا ذكر، والإشارة للمتلو في هذه السورة لأنه باعتبار كونه على جناح الذكر في حكم الحاضر الشاهد. وقيل: مبتدأ حُذف خبره، أي: فيما يُتلى عليك ذكر رحمت ربك. وقيل: خبر عن (كهيعص) ، إذا قلنا هي اسم للسورة، أي: المسمى بهذه الحروف ذكر رحمة ربك، و (عَبْدَهُ) : مفعول لرحمة ربك، على أنها مفعول لما أضيف إليها، أو لذكر، على أنه مصدر أضيف إلى فاعله على الاتساع. ومعنى ذكر الرحمة: بلوغها إليه، و (زَكَرِيَّا) : بدل منه، أو عطف بيان، و (إِذْ نادى) : ظرف لرحمة، وقيل: لذكر، على أنه مضاف إلى فاعله، وقيل: بدل اشتمال من زكريا، كما في قوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ ...
«١» ، و (مِنِّي) : حال من العَظْم، أي: كائنًا مني، و (شَيْئاً) : تمييز.
يقول الحق جلّ جلاله: هذا الذي نتلوه عليك في هذه السورة هو ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا.
قال الثعلبي:[فيه تقديم وتأخير] . أي: ذكر ربك عبده زكريا برحمته، إِذْ نادى رَبَّهُ وهو في محرابه في طلب الولد نِداءً خَفِيًّا: سرًا من قومه، أو في جوف الليل، أو مخلصًا فيه لم يطلع عليه إلا الله. ولقد راعى عليه السلام حسن الأدب في إخفاء دعائه، فإنه أَدْخَلُ في الإخلاص وأَبَْعَدُ من الرياء، وأقرب إلى الخلاص من كلام الناس، حيث طلب الولد في غير إِبَّانِهِ ومن غائلة مواليه الذين كان يخافهم.
قالَ في دعائه: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي أي: ضعف بدني وذهبت قوتي. وإسناد الوهن إلى العَظْم لأنه عماد البدن ودعامة الجسد، فإذا أصابه الضعف والرخاوة أصاب كله، وإفراده للقصد إلى الجنس المنبئ عن شمول الوهن إلى كل فرد مِن أفراده. ووهن بدنه عليه السلام: لكبر سنه، قيل: كان ابن سبعين، أو خمسًا وسبعين، وقيل: