للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: تعظيم الرسول عليه السّلام ومدحه وذكر محاسنه، من أجل القربات وأعظم الطاعات لأن تعظيمه ناشىء عن محبته، ومحبته عقد من عقود الإيمان، لا يتم الإيمان إلا بها، والإخلال بهذا الجانب من أعظم المعاصي عند الله، ولذلك قبح كفر المنافقين واليهود، الذين كانوا يؤذون جانب النبوة، وما عابه به المنافقون في هذه الآية هو عين الكمال عند أهل الكمال.

قال القشيري: عابوه بما هو أماره كرمه، ودلالة فضله، فقالوا: إنه لحُسن خُلُقه، يسمع ما يقال له، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «المُؤمنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، والمُنافِقُ خِبٌّ لَئِيمٌ» «١» . قالوا: من الفاضل؟ قالوا: الفَطِنُ المُتَغَافِلُ، وأنشدوا:

وإذا الكريمُ أَتَيْتَه بخدِيعَةٍ ... فرأيته فيما ترومُ يُسارعُ

فاعلمْ بأنَّك لم تخادِعْ جاهلاً ... إنَّ الكريمَ- بفضله- يتخادع «٢» . هـ.

وكل ولي يتخلق بهذا الخلق السني الذي هو التغافل والانخداع في الله، وكان عبد الله بن عمر يقول: (من خدعنا في الله انخدعنا له) . ورأى سيدنا عيسى عليه السلام رجلاً يسرق، فقال له: سرقت يا فلان؟ فقال: والله ما سرقت، فقال عليه السلام: (آمنتُ بالله وكذبتُ عيني) . فمن أخلاق الصوفي أن يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين، كيفا كانوا، ورحمة للذين آمنوا، فمن آذى من هذا وصفه فله عذاب أليم. وبالله التوفيق.

ومن مساوئ المنافقين أيضا: أنهم يرضون الناس بسخط الله، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)

قلت: إنما وحّد الضمير في (يُرضوه) إما لأن رضى أحدهما رضى الآخر، فكأنهما شيء واحد، أو لأن الكلام إنما هو فى إيذاء الرسول- عليه الصلاة والسلام- وإرضائه، فذكر الله تعظيماً لجانب الرسول، أو لأن التقدير: والله أحق أن يرضوه، ورسوله كذلك فهما جملتان. والضمير في (أنه من يُحادِدِ) : ضمير الشأن، و (فأن) : إما تأكيد


(١) أخرجه أبو داود فى (الأدب، باب فى حسن العشرة) والترمذي فى (البر والصلة، باب ما جاء فى البخيل) عن أبى هريرة، بلفظ: «الفاجر» بدل المنافق.
(٢) البيتان منسوبان إلى عبد المجيد بن إسماعيل الرومي، راجع النجوم الزاهرة ٥/ ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>