للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أجل الحفظة. وقال أيضا رضي الله عنه في بعض أدعيته: وأدرج أسمائي تحت أسمائك، وصفاتي تحت صفاتك، وأفعالي تحت أفعالك، درج السلامة، وإسقاط الملامة، وتنزُل الكرامة، وظهور الإمامة. هـ.

فإذا اندرجت أسماء العبد وصفاته وأفعاله تحت أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، لم يبقَ للعبد وجود أصلاً، وكان الفعل كله بالله، ومن الله، وإلى الله. وهذا مقام عزيز، لا يناله إلا الأفراد من أهل الفناء في الله، والبقاء بالله، وقد غطى وصفهم بوصفه، ونعتهم بنعته، فغيَّبهم عن اسمهم ورسمهم، فهم بالله فيما يفعلون ويذرُون. والله تعالى أعلم.

ثم قال تعالى:

[[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٢]]

لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)

يقول الحق جلّ جلاله: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أي: من بعد التسع، اللاتي خيرتهن فاخترنك لأن التسع نِصابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن الأربع نِصاب أمته. لَمّا اخترن اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة قصره الله عليهن، وقيل: هي منسوخة كما يأتي. أو: لا يحلّ لك نساء الأجانب، وإنما لك نساء قرابتك، كبنات عمك، وبنات عماتك، وبنات خالك، وبنات خالاتك، فيحل لك منهن ما شئت، ولو ثلاثمائة، أو أكثر. أو: لا يحل لك النساء من غير المسلمات، كالكتابيات والمشركات. وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ بالطلاق. والمعنى: ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجاً، بكلهن أو بعضهن، كرامةً لهن، وجزاء على ما اخترن ورضين. فقصر رسوله صلى الله عليه وسلم على التسع اللاتي مات عنهن. وقال أبو هريرة وابن زيد: كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بالأزواج، يعطي امرأة هذا أياماً ويأخذ امرأته، فأنزل الله: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ بأن تُعطي بعض أزواجك وتأخذ بعض أزواجهم، إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فلا بأس أن تبادل بجاريتك. و «مِن» : لتأكيد النفي ليفيد استغراق جنس الأزواج بالتحريم، وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ أي: حُسْن الأزواج المتبدلة. وقيل: هي أسماء بنت عُميْس، امرأة جعفر بن أبي طالب، فإنها ممن أعجبه حسنهنّ.

وعن عائشة وأم سلمة، (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى أَحلَّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) «١» ، يعني أن الآية نُسخت إما بالسُنَّة، أو: بقوله: إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ. وترتيب النزول ليس على ترتيب


(١) أخرجه، عن السيدة عائشة، رضى الله عنها، أحمد فى المسند (٤/ ٤١) والترمذي فى (التفسير- سورة الأحزاب ٥/ ٣٣٢، ح ٣٢١٦) وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي فى (النكاح، باب ما افترض الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وحرمه على خلقه، ٦/ ٥٦) والدارمي فى (النكاح، باب قول الله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ٢/ ٢٠٥، ح ٢٢٤١) وصححه الحاكم (٢/ ٤٣٧) ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>