قلت: المشاقة: المخالفة والمباعدة، كأنَّ كل واحد من المتخالفين في شق غير شقَّ الآخر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَمَنْ يخالف الرَّسُولَ ويتباعد عنه مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى أي:
بعد ما تحقق أنه على الهدى بالوقوف على المعجزات، فيترك طريق الحق وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ أي: يسلك غير ما هم عليه، من اعتقاد أو عمل. نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى أي: نتركه مع ما تولى، ونجعله وليًّا له، ونُخَلِّي بينه وبين ما اختاره من الضلالة، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ أي: ندخله فيها، ونشويه بها، وَساءَتْ مَصِيراً أي: قبحت مصيرا جهنم التي يصير إليها. والآية تَدُل على حرمة مخالفة الإجماع، لأن الله رتَّب الوعيد الشديد على مشاقة الرسول، واتباع غير سبيل المؤمنين، وكل منهما محرم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرمًا كان اتباع سبيلهم واجبًا، انظر البيضاوي.
ثم نزل في طُعمة لما ارتد مشركًا: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وقيل: كرر للتأكيد تقبيحًا لشأن الشرك، وقيل: أتى شيخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئًا منذ عرفتُه وآمنتُ به، ولم أتخذ من دونه وليًا، ولم أوقع المعاصي جرأة، وما توهمت طرفة عين أني أُعجز الله هربًا، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله؟ فنزلت. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ، فَقَدْ ضَلَّ عن الحق ضَلالًا بَعِيداً لإن الشّرك أقبح أنواع الضلالة، وأبعدها عن الثواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى. فَقَدِ افْتَرى لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى الشيء على الله.
قاله البيضاوي.
الإشارة: كل من خالف شيخه، وسلك طريقًا غير طريقة ولاه الله ما تولى، واستدرجه من حيث لا يشعر، وقد تؤخر العقوبة عنه فيقول: لو كان هذا فيه سوء أدب مع الله، لقطع الإمداد وأوجب البعاد، وقد يقطع عنه من حيث لا يشعر، ولو لم يكن إلا وتخليته وما يريد. وبالجملة: فالخروج عن مشايخ التربية والانتقال عنهم، ولو إلى من هو أكمل في زعمه، بعد ما ظهر له الفتح والهداية على يديه طردٌ وبعدٌ، وإفساد لبذرة الإرادة، فلا نتيجة له أصلاً. والله تعالى أعلم. وبالله التوفيق.