يقول الحق جلّ جلاله: فَلا تَكُ يا محمد فِي مِرْيَةٍ. في شك مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ المشركون، أي: لا تشك في فساد ما هم فيه، بعد ما أنزل عليك من حال الناس، وتبيين ما لأهل السعادة الموحدين، مما لأهل الشقاء المشركين، ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ، وهو تعليل للنهي، أي: ما يعبدون عبادةً إلا كعبادة آبائهم. أو ما يعبدون شيئاً إلا مثل ما عبد آباؤهم من الأوثان تقليداً من غير برهان، وقد بلغك ما لحق آباءهم من العذاب فسيلحقهم مثل ذلك لاتفاقهم في سبب الهلاك. وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ حظهم من العذاب، كآبائهم، غَيْرَ مَنْقُوصٍ من نصيبهم شيء. فالتوفية لا تقتضي التمام. تقول: وفيته حقه، وتريد وفاء بعضه.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: فلا تكن أيها العارف في مرية مما يعبد هؤلاء العوام، من جمع الدنيا، والتكاثر منها، وصرف الهمة إلى تحصيلها، واستعمال الفكر في أسباب جمعها، وانهماك النفس في حظوظها وشهواتها. ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل، ممن سلك هذا المسلك الذميم، وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص، بانحطاط درجتهم عن درجة المقربين. قال بعض الحكماء: دار الدنيا كأحلام المنام، وسرورها كظل الغمام، وأحداثها كصوائب السهام، وشهواتها: كمشرب الشمام، وفتنتها كأمواج الطوام. هـ.
ولما ذكر رسالة موسى عليه السّلام، وشأن فرعون ووبال من تبعه، ذكر نزول التوراة عليه، فقال:
قلت:(وإنَّ كلاًّ لما ليوفينهم) : إن: مخففة عاملة، والتنوين في (كُلا) عوض عن المضاف. و «ما» : موصولة، واللام: لام الابتداء، و (ليوفينهم) : جواب لقسم محذوف، وجملة القسم وجوابه: صلة «ما» ، أي: وإن كان الفريقين للذين، والله، ليوفينهم ربك أعمالهم. ومن قرأ:«لمَّا» بالتشديد، فعلى أن (إن) نافية، و «لَمَّا» بمعنى إلا، وقيل: غير هذا.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ: التوراة، فَاخْتُلِفَ فِيهِ فآمن به قوم وكفر به قوم، كما اختلف هؤلاء في القرآن، وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهي: كلمة الإنظار إلى يوم القيامة، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنزال ما يستحقه المبطل من الهلاك، ونجاة المحق. وَإِنَّهُمْ أي: قوم موسى، أو كفار قومك، لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي: التوراة، أو من القرآن، مُرِيبٍ: مُوقع في الريبة. وَإِنَّ كُلًّا من